الصحفي بجاش يروي مأساة ابنته وئام التي توفيت بسبب خطأ طبي في تعز

السياسية - منذ 4 ساعات و 38 دقيقة
تعز، نيوزيمن، خاص:

يروي الصحفي عبدالستار بجاش قصةً مؤلمة فقد فيها أغلى ما يملك — طفلته الصغيرة وئام، التي دخلت أحد مستشفيات مدينة تعز وهي تشكو من ألم بسيط في الحلق، لتخرج منه جثة هامدة بعد أسبوعين فقط من رحلة علاجية تحولت إلى مأساة إنسانية بسبب ما وصفه بـ"خطأ طبي وإهمال مهني جسيم".

وبدأ بجاش سرد قصة طفلته التي نشر فصلها الأخيرة على صفحته في "فيسبوك" بكلمات تختلط فيه الحزن بالغضب قائلاً: "في التاسع من أكتوبر، دخلت وئام إلى المستشفى تحمل بيدها لعبة صغيرة، وابتسامة لا تعرف الخوف. كان ألمها بسيطًا، والتشخيص الأولي كذلك، لكن الوصفة التي صرفها الطبيب كانت بداية النهاية."

ويضيف أن الطبيب اكتفى بصرف علاج ضعيف المفعول رغم نصيحة صيدلاني المستشفى باستخدام جرعة مختلفة، غير أن الطبيب أصر على قراره قائلاً لوالدة الطفلة: "أنا الطبيب، وليس هو." ويقول بجاش: "لو تم صرف العلاج المناسب في حينه، لما تطورت الحالة إلى هذا الحد."

تدهور سريع وتجاهل مؤلم


بعد أيام قليلة من الزيارة الأولى، بدأت أعراض جديدة بالظهور. وفي 15 أكتوبر عادت الأم للمستشفى بعدما بدأت الطفلة تتقيأ باستمرار. تم إجراء فحص "مزرعة البراز"، وكانت النتيجة وجود "ديدان"، فطمأن الطبيب الأسرة قائلاً إن الحالة "طبيعية".

لكن في اليوم التالي، لاحظت الأم تغير لون بول ابنتها، لتكتشف أن الكلى بدأت تتأثر — إذ أظهرت الفحوصات وجود بروتين ودم في البول، مؤشرات على التهاب بكتيري خطير.

وتابع: "في ذلك اليوم، فهمت أن ابنتي في خطر حقيقي، لكن الزمن كان قد مضى، والعلاج الخاطئ كان قد مهد الطريق لبكتيريا غادرة اخترقت جسدها الصغير." وفي 21 أكتوبر، توجه الصحفي بجاش إلى إدارة مستشفى الروضة طالبًا مراجعة السجلات الطبية والتقارير الخاصة بعلاج ابنته للتحقق من الأخطاء التي وقعت.

ويقول: "طلبت منهم فقط أن يراجعوا الملف، أن يواجهونا بالحقيقة. وعدوني بالرد، لكن وحتى 31 أكتوبر لم أتلقَّ أي توضيح. ومع ذلك، أشكرهم لأنهم على الأقل قدموا واجب العزاء."

لكن الألم لم يكن في الإهمال وحده، بل في غياب الضمير الطبي. ففي أثناء نقل وئام إلى مستشفى "الصفوة" يوم 18 أكتوبر، قرر الطبيب مرتضى الهويش إدخالها إلى العناية المركزة وبدء جلسات غسيل الكلى يوم 19 أكتوبر.

وبينما أبدى الهويش وفريقه اهتمامًا كبيرًا، حاولت الأسرة استدعاء طبيب الكلى والمسالك الدكتور السماوي لمتابعة حالتها، لكنه لم يستجب رغم وجوده في المبنى ذاته. "حاولنا مرارًا استدعاءه، لكن طاقمه قال ببرود إن حالتها تدهورت بسبب العلاج. لم يوضح شيئًا آخر.. وكأن كلماتهم كانت شهادة وفاة مبكرة لطفلتي."

بريق أمل خافت قبل النهاية

استقرت حالة وئام مؤقتًا، وخرجت من العناية المركزة في 23 أكتوبر، لتبدأ الأسرة بالتقاط أنفاسها. لكن بعد يوم واحد فقط، في 24 أكتوبر، تعرضت الطفلة لجلطتين دماغيتين مفاجئتين أعادتاها إلى العناية مجددًا.

يقول بجاش بأسى: "اتصلنا بأطباء المخ والأعصاب، استجاب البعض فورًا، مثل الدكتور ربيع العزاني الذي تابع حالتها خلال دقائق، بينما تجاهل آخرون كل الاتصالات، وكأن أرواح الناس لم تعد تعني شيئًا."

في 26 أكتوبر أُجريت جلسة غسيل جديدة للكلى، لكنها توقفت لنقص المحاليل، ثم استؤنفت بجهود فنيين متعاونين. بدأت الطفلة تتحسن تدريجيًا، وتحركت يدها اليمنى من جديد، واستعادت بعض النطق.  وقال الصحفي بجاش: "كنا نعيش لحظة أمل صغيرة، لكن القدر كان أسرع من الدواء."

مساء الاثنين تدهورت حالتها التنفسية، ودخلت في غيبوبة تامة، لتفارق الحياة صباح الثلاثاء 28 أكتوبر خلال جلسة غسيل الكلى بمركز الثورة.

قضية ضمير قبل أن تكون قضية طب

يختم الصحفي عبدالستار بجاش روايته قائلاً: "وئام لم تمت بسبب المرض، بل بسبب الإهمال. إنها ضحية نظام صحي منهك، غابت عنه الرقابة، وفقد كثير من أطبائه إنسانيتهم. ليست قضيتي مع طبيب واحد، بل مع منظومة كاملة لا تحاسب ولا تعتذر."

ويضيف: "رحلت ابنتي، لكني لن أتوقف عن المطالبة بالتحقيق في ما حدث، ليس من أجل الانتقام، بل حتى لا تتكرر مأساة وئام مع أطفال آخرين. الإصلاح لا يكون بشراء أجهزة جديدة، بل بإصلاح الضمير المهني، وإحياء الإنسانية في المهنة."

رحلة قصيرة امتدت أسبوعين بين التهابات اللوزتين وغسيل الكلى والجلطات والتنفس الصناعي، لكنها كشفت هشاشة المنظومة الصحية في تعز، وضعف المحاسبة الطبية، وغلبة المصالح التجارية على الإنسانية. رحلة انتهت بوفاة الطفلة، لكنها بدأت مسارًا طويلًا من الأسئلة المؤلمة التي لا تزال تنتظر إجابة.