صفقات التبادل.. الوجه الآخر للعلاقة بين الحوثي والقاعدة

السياسية - منذ 7 ساعات و 11 دقيقة
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

في أحدث حلقة من العلاقات الخفية والمتشابكة بين مليشيا الحوثي وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، كشفت مصادر حقوقية وأمنية مطّلعة عن صفقة تبادل جديدة أفرجت بموجبها المليشيا عن القيادي في التنظيم محمد محسن القادري، نجل القيادي البارز محسن القادري المكنّى بـ"أبي جهاد الذماري"، في إطار تفاهمات سرّية بين الطرفين تضمنت إطلاق سراح عناصر إرهابية وتسليم أسلحة نوعية ومبالغ مالية.

وتشير المعطيات إلى أن الصفقة ليست مجرد عملية تبادل محدودة، بل امتداد لنهج متكرر يعكس طبيعة التحالف غير المعلن بين الطرفين، الذين يجمعهما رغم التباينات الأيديولوجية هدف مشترك يتمثل في تقويض سلطة الدولة وإضعاف مؤسساتها الأمنية.

الإفراج الجديد يعيد تسليط الضوء على التحالفات الظرفية التي تنسجها المليشيا الحوثية مع التنظيمات المتطرفة، بوصفها إحدى أدواتها لإدارة الصراع في اليمن وتوسيع نفوذها الميداني. فبينما تتظاهر الجماعة بخوض "حرب ضد الإرهاب"، تكشف الوقائع الميدانية عن تنسيق غير مباشر مع تنظيم القاعدة، يتخذ أشكالاً متعددة من بينها تبادل الأسرى وتوفير ممرات آمنة وتسهيلات لوجستية داخل مناطق سيطرة الحوثيين.

ويؤكد محللون أن تزامن الصفقة مع تصاعد الضغوط الدولية على المليشيا بشأن ملفات حقوق الإنسان والإرهاب، يشير إلى أن الحوثيين يلجؤون إلى هذه التفاهمات السرّية كوسيلة لتخفيف الضغط، من خلال إعادة توظيف التنظيمات الإرهابية كورقة ضغط مزدوجة: تهديد خصومهم الميدانيين من جهة، وتقديم أنفسهم كقوة "ضد الإرهاب" أمام المجتمع الدولي من جهة أخرى.

صفقات متكرّرة وتنسيق متنامٍ

وأوضحت المصادر أن القادري الابن كان معتقلًا في صنعاء منذ أكثر من عامين على خلفية نشاطات مرتبطة بقيادة التنظيم، من بينها استقبال عناصر أجنبية وتنسيق عمليات لوجستية داخل البلاد، قبل أن يتم الإفراج عنه مؤخرًا ضمن صفقة متبادلة.

ويعدّ والده، محسن القادري، من القيادات التاريخية في تنظيم القاعدة، تنقّل بين أفغانستان واليمن، وتولّى أدوارًا قيادية في الجهاز الأمني للتنظيم، وساهم في توسيع نشاطه داخل الأراضي اليمنية خلال العقدين الماضيين.

كما أن الإفراج عن شخصية بحجم محمد القادري – الذي يُعد أحد الوجوه الشابة المرتبطة بالقيادة العليا في تنظيم القاعدة – يعكس مستوى الثقة والتنسيق بين الجانبين، ويؤكد أن العلاقة بين الحوثي والقاعدة لم تعد في نطاق التواطؤ الفردي، بل تحولت إلى شراكة تكتيكية ذات بعد استراتيجي تهدف إلى تحقيق مكاسب ميدانية وأمنية واقتصادية متبادلة.

ويؤكد الباحث في شؤون الحركات المتطرفة محمد بن فيصل أن عمليات الإفراج الأخيرة ليست حالة منفردة، بل امتداد لسلسلة من الصفقات السابقة بين الحوثيين والتنظيم الإرهابي، مشيرًا إلى أن المليشيا قدّمت مؤخرًا دعمًا عسكريًا نوعيًا لعناصر القاعدة، هو الأول من نوعه منذ بدء الحرب.

وأضاف أن الحوثيين أفرجوا عن مجموعة من سجناء التنظيم في صنعاء مقابل خدمات عسكرية ميدانية وتوسيع رقعة نشاط التنظيم في مناطق محددة، معتبرًا أن هذا التعاون يعكس محاولة الحوثيين الالتفاف على الضغوط الدولية المتزايدة عبر توظيف التنظيمات المتطرفة كأدوات مرحلية.

شبكة حوثية متخصصة 

تقرير صادر عن مركز "P.T.O.C Yemen" لتعقّب الجرائم المنظمة وغسيل الأموال في اليمن، في سبتمبر الماضي، كشف عن شبكة قيادات حوثية متورطة في تدوير وإعادة توظيف عناصر من تنظيمي القاعدة وداعش، يتصدرها عبدالقادر الشامي نائب رئيس جهاز الأمن والمخابرات الحوثي والمسؤول عن ملف المعتقلين، وعبدالكريم الحوثي وزير داخلية المليشيا، إضافة إلى عبدالله يحيى الحاكم (أبو علي الحاكم) قائد الاستخبارات العسكرية.

كما ضمّت الشبكة قيادات ميدانية فاعلة مثل أبو عماد المراني، علي عبدالله القاسمي، إبراهيم الماس، وأبو محمد السقاف، الذين تولّوا مهام إعادة توزيع المفرج عنهم من السجون إلى الجبهات.

التقرير كشف أيضًا عن صفقات سرّية أُفرج بموجبها عن شخصيات مصنّفة إرهابيًا دوليًا، من أبرزهم سامي فضل عبدربه ديان، المتورّط في اغتيال اللواء سالم قطن، قائد المنطقة العسكرية الجنوبية سابقًا، والذي تم الإفراج عنه مطلع عام 2024 بعد تجنيده لصالح الحوثيين وتكليفه بتشكيل خلايا في محافظة أبين. كما أُفرج عن عناصر متورطة في تفجير ميدان السبعين، ظهروا لاحقًا يقاتلون في جبهات مأرب والجوف وحضرموت.

ووفقًا للتقرير، فإن الحوثيين لا يكتفون بالإفراج عن هذه العناصر بل يُعيدون تأهيلهم في معسكرات تدريب سرية في صعدة وذمار وعمران، قبل دمجهم في وحدات ميدانية أو زرعهم في خلايا استخباراتية تُكلف بمهام نوعية تشمل زرع عبوات ناسفة، تنفيذ اغتيالات، وجمع معلومات ميدانية.

وأشار تقرير مركز "P.T.O.C Yemen" إلى أن المليشيات الحوثية حوّلت السجون إلى معامل لإعادة تدوير عناصر القاعدة وداعش، عبر برامج تلقين ديني تبرر التعاون تحت مسميات مثل "تحالف الضرورة" و"العدو المشترك". وأكد التقرير أن جهاز الأمن والمخابرات الحوثي وضع خطة لتجنيد قادة القاعدة في مهام ميدانية واستخباراتية، تشمل قيادة خلايا سرية وتأسيس واجهات سياسية تخدم المليشيا في المحافظات الشرقية.

وثّق التقرير استقطاب القيادي علي سالم الفطحاني (أبو سالم) عام 2021 لتشكيل خلايا في أبين، والقيادي رياض النهدي (أبو عمر) عام 2023 الذي أسس واجهة سياسية باسم "تيار التغيير والتحرير" في حضرموت، والذي يعمل كغطاء استخباراتي لتجنيد العناصر المتطرفة.

ويحصل المفرج عنهم على امتيازات مادية ورواتب تصل إلى 260 دولارًا شهريًا، مع توفير حماية لأسرهم وتسهيلات اجتماعية، في إطار ما وصفه المركز بـ"استراتيجية تدوير الإرهاب لخدمة المشروع الحوثي".

علاقات معقّدة ومصالح متبادلة

تتجاوز العلاقة بين ميليشيا الحوثي وتنظيم القاعدة حدود الصفقات الميدانية إلى مستوى أعمق من التفاهمات غير المعلنة، إذ تشير تقارير أممية ودولية إلى أن الحوثيين استخدموا على مدى السنوات الماضية عناصر من القاعدة وداعش في معاركهم ضد القوات الحكومية، عبر توظيفهم كمرتزقة أو وسطاء لتنفيذ مهام قذرة لا ترغب الجماعة في الظهور بمسؤوليتها المباشرة عنها. وتشمل هذه المهام زرع العبوات الناسفة، وتنفيذ الاغتيالات، واستهداف القيادات الأمنية والعسكرية في المناطق المحررة.

وبحسب تلك التقارير، فإن المليشيا أطلقت سراح عدد من القيادات الإرهابية الخطيرة من سجونها مقابل خدمات مالية أو عملياتية، في نمط تعاون يقوم على تبادل المنافع أكثر من أي التقاء فكري أو أيديولوجي. وتكشف هذه الأنماط المتكررة عن تحالفٍ مصلحي مؤقت بين طرفين يبدوان متناقضين ظاهريًا، لكنهما يلتقيان في الهدف النهائي: إضعاف الدولة، وتمديد الفوضى، وتعقيد المشهد الأمني والسياسي في اليمن.

ويرى محللون أن هذا النمط من التعاون يعكس تحول الحوثيين إلى قوة تمارس "الإرهاب بالوكالة"، مستخدمين التنظيمات المتطرفة كأدوات مرنة لتنفيذ أجندتهم. فبينما يحاول الحوثيون ترويج أنفسهم دوليًا كطرف "مناهض للإرهاب"، تكشف الحقائق الميدانية عن علاقة وظيفية متبادلة مع تنظيم القاعدة، تُبنى على المال والسلاح وتبادل الأدوار في مناطق الصراع.

ويقول المحلل السياسي مانع المطري إن الجماعة أفرجت عن عدد من عناصر التنظيم وسلّحتهم لتنفيذ هجمات إرهابية تستهدف زعزعة الأمن في المحافظات الجنوبية والمحررة، ضمن سياسة متعمدة تهدف إلى إرباك المشهد الأمني وإفشال جهود الاستقرار والتنمية، بما يتيح للحوثيين ترويج خطابهم السياسي القائل إن “كل القوى الأخرى عاجزة عن إدارة المناطق الخاضعة لها”.

ويضيف المطري أن مثل هذه الخطوات تكشف عن تنسيق خفي بين الحوثيين والتنظيمات الجهادية يتجاوز حدود المصالح اللحظية، ليصبح جزءًا من استراتيجية أوسع لتصدير الفوضى وإعادة إنتاج الإرهاب بأشكال جديدة تخدم بقاء المليشيا كقوة أمر واقع، وتُبقي اليمن رهينة دورة عنف مستمرة.

مشروع إيراني بأدوات يمنية

ما يجري في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي ليس مجرد تصرفات فردية أو ممارسات محلية معزولة، بل جزء من مشروع إيراني متكامل يستهدف تحويل اليمن إلى قاعدة متقدمة للفوضى الممنهجة، عبر أدوات يمنية تخدم أجندة طهران الإقليمية. وأوضح التقارير المحلية بينها تقرير مركز "P.T.O.C Yemen" أن إيران والحرس الثوري يقفان خلف سياسة تدوير العناصر الإرهابية، سواء من خلال تدريبهم وتسليحهم أو عبر تمويل شبكات التجنيد والاختراق داخل السجون الحوثية، بما يضمن استمرار تدفق العنف وإطالة أمد الصراع.

أن استراتيجية الحوثيين في إعادة تدوير الإرهابيين تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، إذ تُوظَّف الجماعات المتطرفة كأدوات سياسية وعسكرية لتصفية الخصوم وإرباك الأمن الإقليمي، في تكرار لنمط تتبعه طهران في عدد من بؤر الصراع بالمنطقة مثل سوريا والعراق ولبنان. ويرى مراقبون أن الحوثيين باتوا النسخة اليمنية من الحرس الثوري الإيراني، يستخدمون العنف والإرهاب لتثبيت نفوذهم المحلي وابتزاز المجتمع الدولي.

ودعا التقارير الحقوقية المجتمع الدولي إلى اعتبار هذه الاستراتيجية جريمة حرب تستوجب الملاحقة والعقوبات، مطالبًا بفرض رقابة أممية صارمة على السجون السرّية التي تديرها المليشيا في صنعاء وصعدة وذمار، حيث يُحتجز المئات من المدنيين ويُمارَس التعذيب المنهجي، مع محاسبة القيادات المتورطة في الإفراج عن عناصر إرهابية أو تسليمهم أسلحة نوعية.

وبحسب التقارير أن الصمت الدولي أمام هذا المشروع التخريبي يمنح الحوثيين وإيران مساحة أكبر لتوسيع أنشطتهم المزعزعة للاستقرار، محذرًا من أن استمرار هذا النهج سيجعل اليمن بؤرة لتصدير الإرهاب العابر للحدود، بما يهدد الأمن الإقليمي والدولي على حد سواء.