بيان محور طور الباحة.. تعز في مواجهة الإرهاب العسكري
السياسية - منذ 3 ساعات و 5 دقائق
تعز، نيوزيمن، خاص:
تحت ضغط المظاهرات الشعبية الغاضبة التي تشهدها مدينة التربة جنوبي محافظة تعز، إثر مقتل المحامي عبدالرحمن النجاشي وتصاعد الانفلات الأمني في مديرية الشمايتين، اختارت قيادة محور طور الباحة التابع لحزب الإصلاح الإخواني طريقًا تصعيديًا جديدًا، بإطلاق حملة تحريض واتهامات طالت شخصيات اجتماعية وصحفيين وباحثين ومسؤولين محليين يقودون احتجاجات سلمية للمطالبة بوقف الانتهاكات ضد المدنيين.
المحور، الذي يقوده الإخواني أبوبكر الجبولي وينتشر بين مديريتي المقاطرة وطور الباحة عند الحدود الإدارية بين تعز ولحج، أصدر بيانًا مطولًا زعم فيه أنه "أحبط مخططًا إرهابيًا لنشر الفوضى في مدينة التربة"، متهمًا شخصيات من أبناء الحجرية بالتورط في "مؤامرات تستهدف الأمن العام" بالتنسيق مع مليشيات الحوثي، على حدّ وصفه.
البيان زعم أنه صدر عقب اجتماع أمني طارئ برئاسة مزعومة لمحافظ تعز نبيل شمسان، وهو ما أثار موجة غضب عارمة في الأوساط السياسية والإعلامية، بعدما اتضح أن الاجتماع لم يُعقد أصلًا، وأن المحافظ لم يشارك فيه.
ونفى مكتب إعلام محافظة تعز في بيان رسمي وجود أي علاقة للمحافظ شمسان أو للجنة الأمنية في المحافظة بالبيان الصادر عن محور طور الباحة، مؤكدًا أن "ما ورد من أخبار أو بيانات عن المحور لا تمثل الموقف الرسمي للجنة الأمنية بتعز".
وجاء هذا النفي بمثابة صفعة مدوّية للإخوان، وفضحًا لما وصفه مراقبون بـ"أكاذيب التحريض" التي تحاول أذرعهم العسكرية ترويجها لخلط الأوراق وإجهاض الحراك الشعبي السلمي في التربة.
تحريض إخواني
ويرى محللون أن محور طور الباحة، الذي يعمل فعليًا خارج نطاق وزارة الدفاع اليمنية، يسعى إلى تبرير فشله في إدارة الملف الأمني بتصعيد اتهامات سياسية، عبر إلصاق تهمة "التواطؤ مع الحوثيين" بكل من ينتقد الانتهاكات أو يطالب بالمحاسبة.
من تضمنه البيان العسكري لم يكن حدثًا معزولًا، بل جزءًا من حملة تحريض منسقة ضد النشطاء والباحثين والإعلاميين المستقلين، بحسب ما أكده مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، الذي دان بشدة ما وصفه بـ"التحريض الصريح والمباشر" ضد رئيس المركز ماجد المذحجي وعدد من الكُتّاب اليمنيين. وقال المركز في بيانه إنّ محور طور الباحة أدرج اسم المذحجي وعددًا من الباحثين في بيان رسمي تضمّن اتهامات باطلة، وهو ما يُعد "تهديدًا مباشرًا للسلامة الشخصية للباحثين والعاملين في المجال المدني والإعلامي".
وأشار البيان إلى أن "باحثي المركز سبق أن تعرضوا لاعتقالات واعتداءات في مناطق مختلفة، بعضها في مدينة التربة وأخرى في صنعاء الخاضعة للحوثيين، مما يعكس المخاطر المتزايدة التي تواجه العاملين في الحقل المدني والإعلامي في اليمن".
وحمل مركز صنعاء المسؤولية الكاملة لحزب الإصلاح عن هذه الحملات، مؤكدًا أن "التحريض المنهجي من قِبل موالين له في قيادة المحور وحسابات التواصل الاجتماعي يمثل انتهاكًا صارخًا لحرية الرأي والبحث".
ودعا المركز المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف واضح ضد أي طرف يعتدي على العمل المدني أو يسعى لتكميم الأفواه المستقلة في البلاد.
ترهيب وبث الرعب
وأثارت الاتهامات الإخوانية موجة رفض واسعة من قِبل القوى السياسية في محافظة تعز، التي أصدرت بيانًا مشتركًا وصفت فيه ما صدر عن المحور بأنه "بيان مشؤوم" يتضمن "لغة تحريضية وعداءً سافرًا للمجتمع".
وأكّدت الأحزاب والتنظيمات السياسية في البيان أن ما ورد في بيان المحور من اتهامات باطلة لمشايخ وشخصيات اجتماعية "يعد عملًا تحريضيًا مخالفًا للقانون"، محذّرة من أن "توسيع رقعة العداء ضد المدنيين بذريعة مكافحة الإرهاب يهدد الفضاء السياسي والمدني في تعز بأسره".
كما شددت الأحزاب على أن حق التظاهر والتجمع السلمي مكفول دستوريًا، وأن أي محاولة لتجريمه تُعد انقلابًا على مبادئ الديمقراطية التي قدّمت تعز في سبيلها تضحيات جسيمة.
وطالبت الأحزاب وزارة الدفاع بتحديد نطاق المسؤوليات العملياتية بين محور تعز ومحور طور الباحة، محملة الأخير مسؤولية "أي انتهاكات أو أعمال قمع قد تستهدف المحتجين في مدينة التربة"، ومعتبرة أن حديث المحور عن "مخططات تفجير واغتيالات بالتزامن مع الاحتجاجات" يهدف إلى بث الرعب بين المواطنين وتبرير القمع المسبق.
محاولة للتغطية
وقال الكاتب والناشط الحقوقي عبدالغني المعبقي إن البيان الصادر عن ما يُعرف بـ"محور طور الباحة" لم يكن سوى محاولة يائسة لتشتيت الأنظار عن الجريمة الكبرى التي هزّت تعز والحجرية، في إشارة إلى اغتيال المحامي عبدالرحمن النجاشي، مؤكدًا أن "الوقائع الميدانية والوثائق المصورة تشير بوضوح إلى ضلوع عناصر من اللواء الرابع مشاة جبلي بقيادة أبوبكر علي الجبولي في الجريمة، بصورة مباشرة أو عبر التغطية الأمنية".
وأوضح المعبقي أن الحقائق بدأت تتكشف تباعًا من خلال الصور والفيديوهات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي أظهرت وجوه عدد من الأفراد التابعين لتشكيلات أمنية وعسكرية في مديرية الشمايتين أثناء تنفيذ عملية "الإعدام الميداني" للمحامي الأعزل، مؤكدًا أن البيان الإخواني الصادر لاحقًا عن محور الجبولي "جاء كردّ فعل هستيري لإخفاء الحقيقة وتوجيه الأنظار نحو خصوم وهميين بدلًا من مواجهة المسؤولية".
وأشار إلى أن القائمة الأولية للأسماء المتورطة – بحسب التحقيقات الميدانية وشهادات ذوي الضحية – تضم عناصر من اللواء الرابع مشاة جبلي وأفرادًا من إدارة أمن الشمايتين، بعضهم مذكورون في المقاطع المصوّرة المتداولة، من بينهم سلمان وعطار وأثير الأثوري، وسعد الزريقي، والمشرف الميداني صلاح العبسي. وأضاف أن شهادة والدة الشهيد أكدت وجود 14 فردًا في مسرح الجريمة لحظة تنفيذ عملية الاغتيال، معظمهم يرتبطون بجهات أمنية وعسكرية تابعة للواء الرابع.
وأكد المعبقي أن هذه الوقائع "تجعل من بيان محور طور الباحة بمثابة غطاء سياسي وأمني لتبرئة القتلة مسبقًا"، لافتًا إلى أن دماء المحامي النجاشي هي "السبب الحقيقي وراء انفجار الرأي العام في تعز، وحالة الارتباك التي أصابت قيادة اللواء الرابع".
ودعا في ختام تصريحه إلى تشكيل لجنة تحقيق قضائية مستقلة وعليا لكشف ملابسات الجريمة، ومساءلة كل المتورطين والمشرفين عليها، بمن فيهم قائد اللواء أبوبكر علي الجبولي وشقيقه علوي، باعتبارهما مسؤولَين قياديَّين عن التشكيلات المتورطة.
وشدد على أن "صمت الحكومة تجاه ما يجري يُعدّ تواطؤًا مرفوضًا"، مؤكدًا أن "السكوت عن جرائم الاغتيال والبلطجة العسكرية في تعز والحجرية هو شراكة في الجريمة، وأن الشعب لن يصدّق بعد اليوم الشعارات، لأن دماء الشرفاء صارت هي الدليل والبرهان".
خطاب العدو الداخلي
وتحوّلت قضية مدينة التربة من حدث احتجاجي إلى مواجهة بين مشروعين متضادين: مشروع العمل المدني السلمي الذي يطالب بالأمن والمساءلة، ومشروع العسكرة الإخوانية الذي يوظّف لغة "الخطر الإرهابي" لتشويه خصومه.
بحسب نشطاء ومراقبين إن بيان محور طور الباحة يعكس مأزقًا أعمق من خلال محاولة التيار الإخواني في تعز إعادة إنتاج خطاب "العدو الداخلي" لتبرير سيطرته العسكرية، بعد أن فقد شرعية تمثيله للمجتمع المحلي. مشيرين إلى أن المحتجين صعدوا من مطالباتهم المشروعة بضبط الجناة وإحلال العدالة، في حين يأتي رد المحور باتهامات "مؤامرات" و"تحالفات مع الحوثيين"، ما يعني أن صوت المواطن بات عدوًا في نظر سلطة السلاح.
ويؤكد الناشط عامر عبدالكريم أن "البيان المضلّل" الصادر عن محور طور الباحة تضمّن اتهامات عبثية ومكررة ضد عدد من مشايخ الحجرية والشخصيات المدنية، مثل صهيب البركاني وعبدالستار الشميري وماجد المدحجي، بزعم ارتباطهم بخلايا حوثية يقودها أمجد خالد.
وأوضح عبدالكريم أن هذه المزاعم لا تصمد أمام الحقائق الميدانية، حيث إن من كان يحتضن أمجد خالد ويدعمه لوجستياً هو ذاته من يشرف اليوم على اللواء الرابع ومحور طور الباحة، لافتاً إلى أن المواقع التي يتخذها الجبولي حالياً كمقرات عسكرية كانت سابقاً مواقع تابعة للواء 35 مدرع، قبل أن يتم الاستيلاء عليها في أعقاب اغتيال قائده الشهيد عدنان الحمادي.
وأشار إلى أن البيان الإخواني نفسه جرى تعديله أكثر من مرة، حتى تم حذف معظم الأسماء المتهمة، باستثناء اسم أمجد خالد، في ما وصفه بـ"تراجع مرتبك يكشف ضعف السردية ومحاولة التنصل من الافتراءات".
من جهته، وصف الكاتب نشوان قراضة البيان الأخير بأنه "استعراض إعلامي فاقد للمصداقية"، قائلاً إن محور طور الباحة "يتحدث بلسان المنتفخ الذي يحاكي صولة الأسد بينما هو في الواقع لا يملك سوى نفخ الذات وادعاء البطولة".
وأضاف أن اللغة التي استخدمها البيان — عن "إحباط مخطط إرهابي" و"تفكيك عبوات ناسفة" و"رصد اتصالات مشبوهة" — لا تختلف عن سيناريوهات أفلام الأكشن، محاولاً إقناع الشارع بأن المحور يضاهي أجهزة استخبارات كبرى مثل الـFBI أو الموساد، بينما هو في الحقيقة يفتقر إلى الحد الأدنى من التنسيق والقدرات الاستخباراتية.
وأكد قراضة أن الهدف الحقيقي للبيان هو تجريم التظاهر السلمي في التربة وتصوير المحتجين كخلايا إرهابية لتبرير القمع وإضفاء شرعية زائفة على الانتهاكات الميدانية. واختتم بالقول: "الهرّ لا يصبح أسداً بالنفخ، والمحاور لا تتحول إلى أجهزة استخبارات بالبيانات، فالتربة تعرف من يحميها ومن يتاجر بخوفها".
>
