ثلاثية الفساد وثنائية الجمارك: انتقادات لاذعة تكشف هشاشة إدارة سلطة الحوثي

السياسية - منذ ساعة و دقيقة
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

تشهد مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران تصاعدًا غير مسبوق في موجة من الانتقادات، ليس فقط من المواطنين العاديين والناشطين المستقلين، ولكن أيضًا من داخل الأوساط السياسية الموالية للجماعة نفسها. هذه الانتقادات لم تعد مقتصرة على أزمة واحدة، بل تمتد عبر عدة محاور استراتيجية: الغذاء والطاقة والصحة والجباية، ما يدل على أن التوتر لا يعود إلى شكوى فردية بل إلى أزمة ثقة هيكلية بين سلطة صنعاء وحاضنتها الشعبية.

من جهة، يعبّر الناشطون الموالين للميليشيات عن غضبهم إزاء ما يرونه منظومة فساد مترابطة في الكثير من المرافق والخدمات الأساسية للمواطنين التي تُظهر أن الجماعة لا تتعامل مع معاناة المواطنين كمشكلة مؤقتة، بل ربما كأداة اقتصاد سياسي، حيث يستغل بعض قادتها النفوذ والتوزيع لتحقيق مكاسب مالية أو نفوذ اجتماعي. 

ويرى المراقبون أن تزامن هذه الأصوات — الغاضبة من الفساد المحتدم الداخلي ومن قرارات مالية فاقعة — يشير إلى حالة ارتباك سياسي واقتصادي داخل مؤسسات الحوثيين. فالقرارات التي من المفترض أنها تدير الأزمة تُظهر، في الواقع، هشاشة نموذج الحوكمة الإدارية الذي تتبناه الجماعة، حيث تندمج مصلحة الترفيع في الإيرادات مع الانتهاج السلطوي، ويصبح المواطن الخاضع، في نهاية المطاف، الخاسر الأكبر.

احتكار وتلاعب مركّب

كشف الإعلامي والناشط السياسي خالد العراسي عن ما وصفه بـ"احتكار منظّم" لمنتج الطحين المركب الذي أعلنت سلطة الحوثيين عن تبنيه مؤخراً باعتباره مشروعاً غذائياً يستهدف تحسين جودة الخبز وتقليل التكلفة على المواطنين. غير أن الواقع – وفقاً للعراسي – يثبت العكس تماماً؛ فالمنتج ما يزال محصوراً بيد مؤسستين فقط هما قنوان وأنعام اللتان تتبعان قيادات نافذة في الجماعة، في الوقت الذي تتحدث فيه السلطات عن تعميم التجربة على نطاقٍ واسع.

ويؤكد العراسي أن المواطنين لا يعرفون أي منافذ بيع لهذا الطحين خارج سوق الخميس في ميدان التحرير، مشيراً إلى أن المنتج شبه غائب تماماً في المتاجر والبقالات، ما يعزز – بحسب وصفه – فرضية أن التجربة تحوّلت إلى “مشروع خاص بمنتفعين محددين” وليس خدمة عامة كما يُروَّج لها.

وفي سياقٍ متصل، وجّه العراسي انتقادات حادة لسلطة الحوثيين بشأن ارتفاع أسعار البترول رغم غياب المبررات المنطقية. وأشار إلى أن الأسعار الحالية تفوق تلك التي كانت سائدة في الفترة التي كانت فيها ناقلات النفط تُحتجز لأشهر وتتحمل غرامات كبيرة، ورغم ذلك كانت التكلفة أقل. وأضاف أن نوعية البترول المطروح في الأسواق حالياً أصبحت “أخف وأسرع اشتعالاً”، ما يجعل دبة اليوم تعادل نصف دبة الأمس من حيث الاستهلاك الفعلي، مقدّراً السعر الحقيقي – بناءً على جودة المنتج – بنحو 19 ألف ريال. وطالب شركة النفط في صنعاء بتوضيح سبب هذا التلاعب في الأسعار والمواصفات.

أما في الملف الصحي، فقد سلط العراسي الضوء على انقطاع أدوية مركز اللوكيميا في صنعاء منذ ما يقرب من ثمانية أشهر، وهو ما أدى – بحسب قوله – إلى وفاة طفلين وتدهور حالة أكثر من ستين مريضاً من الأطفال والبالغين. وانتقد بشدة وزارة الصحة وصندوق مكافحة السرطان بسبب الوعود المتكررة بتوفير جرعات إسعافية دون تنفيذ فعلي، معتبراً أن ما يجري يمثل “إهمالاً كارثياً” يستوجب المحاسبة والتعويض، ولا يمكن التعامل معه كخطأ إداري عابر.

الجمارك تُفجّر الغضب

وفي موازاة موجة الانتقادات المتعلقة بالغذاء والطاقة والصحة، جاءت قرارات رفع الجمارك التي أصدرتها سلطة الحوثيين لتفجّر غضباً غير مسبوق داخل الأوساط الموالية للجماعة نفسها، في مؤشر يعكس اتساع رقعة التذمّر حتى بين الصفوف القريبة من المركز السياسي في صنعاء. فقد وصف السياسي المقرّب من الحوثيين آزال الجاوي هذا القرار بأنه ليس مجرد إجراء اقتصادي تقني، بل "إعلان استسلام أمام العقوبات والحصار"، على حد تعبيره، مشدداً على أن السلطة تُحمّل المواطن المنهك أعباء إخفاقاتها السياسية وتراجع قدرتها على مواجهة الضغوط الدولية.

وفصّل الجاوي في منشوره أن خطوة رفع الجمارك تُرسل – في نظره – رسالة سلبية للخارج، تفيد بأن سلطة صنعاء باتت غير قادرة على الصمود في وجه القيود المفروضة عليها، لافتاً إلى أن هذه الرسالة تُقرأ في المحافل الدولية كاعتراف ضمني بالعجز. وأضاف أن الجماعة بدلاً من ابتكار حلول واقعية لتخفيف آثار الحصار، اتجهت إلى زيادة التكاليف على التجار والمستهلكين، ما يجعل القرار – وفق وصفه – بمثابة "هدية مجانية لصنّاع العقوبات" لأنها تعزز سردية أن الضغوط الاقتصادية تؤتي ثمارها وتستوجب المزيد منها.

وأكد الجاوي أن تبعات القرار لا تقتصر على الجانب المالي والاقتصادي وحسب، بل تمتد لتكشف ما اعتبره هشاشة في نموذج الحكم الحوثي وضعفاً في أدوات الإدارة والحوكمة. ويرى أن الإجراءات الأخيرة تعبّر عن ارتباك سياسي واضح، وتؤشر إلى عمق الأزمة التي تعيشها مؤسسات الجماعة في إدارة الموارد وتحمل المسؤوليات الأساسية تجاه المواطنين.

صُنّاع الأزمات

من جانبه وجّه الناشط الموالي للجماعة الكرار المراني هجوماً لاذعاً على قرار رفع الجمارك على الملابس والأقمشة والأحذية، معتبراً أن سلطة تتخذ مثل هذا القرار في ظل الانهيار الاقتصادي والمعيشي "هي سلطة تعيش في بروج عاجية ولا تدرك حجم المعاناة اليومية للناس".

وتابع المراني في انتقاداته اللاذعة، متسائلاً بسخرية: "ما الذي كان يفكر به الأخ الجهبذ الذي اقترح رفع الجمارك؟ وكيف وافقه المعنيون العباقرة على الاقتراح العظيم؟!" قبل أن يضيف متسائلاً ما إذا كان صناع القرار في صنعاء يعيشون فعلاً بين المواطنين ويختبرون ظروفهم اليومية، "أم أنهم يعيشون في أبراج عاجية لا يهمهم سوى تحسين الإيرادات".

وجاءت هذه التصريحات بالتزامن مع إعلان نقابة تجار الملابس والأقمشة والأحذية إضراباً شاملاً لمدة ثلاثة أيام، احتجاجاً على ما وصفته بالرسوم الجمركية "المجحفة"، وسط تهديد بتمديد الإضراب ما لم تتراجع سلطة الحوثيين عن القرار.

وتُظهر تصريحات النشطاء والكتاب الموالين للحوثيين اتساع رقعة الغضب داخل الأوساط التي كانت تُعد الأكثر ولاءً للجماعة، وتكشف عن فجوة متسعة بين الواقع المعيشي المتدهور وبين القرارات التي تصدرها سلطة صنعاء. وبين أزمات الغذاء والوقود والصحة من جهة، والقرارات المالية التي تزيد الضغط على جيوب المواطنين من جهة أخرى، يبدو المشهد مرشحاً لمزيد من الاحتقان ما لم تجرِ مراجعة حقيقية للسياسات التي تُفاقم التوتر وتضعف الثقة بين السلطة وحاضنتها الاجتماعية.