أستاذ الاجتماع شمسان :الانتقال للفدرالية يحتاج عشر سنوات والنخب تفتقر للرؤى
السياسية -
Tuesday 12 November 2013 الساعة 10:36 am
مشاركة
نيوزيمن، بالاتفاق مع صحيفة الناس/ حاوره: أسامة غالب
أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء الدكتور عبدالباقي شمسان يتحدث لصحيفة الناس في هذا الحوار عن المبادرة الخليجية وجمال بن عمر والتغيير والقوى الشبابية والثورية ومؤتمر الحوار الوطني وبقاء علي عبدالله صالح في المشهد السياسي وغيرها، فإلى الحوار..
آ
* حدثت ثورة في البلد لكن بعد عامين من الثورة لا زال كثيرون يقولون إن التغيير الفعلي لم يحدث بعد، بصفتك أستاذ في علم الاجتماع ما هو التغيير الذي يريده الناس ولم يشعروا به حتى اللحظة؟
- أولاً لا بد أن نضبط دلالات مفردات الثورة، لقد شهدت اليمن سيرورة احتجاجات مجتمعية انبثقت من أحشاء فضاء مجتمعي محتقن ومتعدد الأزمات وكانت تلك السيرورة تنمو أطوارها باتجاه الطور النهائي للثورة المجتمعية إلا أنه تم وأدها بالتسوية الخليجية ليس من حيث مقاصدها المعلنة وإنما من حيث الكيفية والإجراءات المتبعة.
آ
* كيف ذلك؟!
- كانت القراءات والمعطيات الواردة من حقل الصراع تحمل ممكناً وحيداً يتمثل بالاحتراب مفتوح النهايات رغم تخفيض منسوبه عن طريق الالتزام السلمي من قبل ساحات الاحتجاج، وحضور قلق المساءلة الدولية، وانعدام فرص الاستمرار في السلطة لدى الطرف الأخر في حال اتخاذ قرار الاحتراب إلا أن هذه الرؤية صالحة في حال ما يكون الطرف عقلانيا في اتخاذ قراراته. ومرد القلق الإقليمي والدولي العواقب الوخيمة للاحتراب الذي يصعب ضبطه وإيقاف تداعياته، وعليه تم الإجماع في مرحلة مبكرة على التسوية.
آ
* هل تقصد أن القوى الشبابية والثورية لم تكن قادرة على حسم الصراع في حال ما آلت الأمور نحو المواجهة؟
- القراءة هنا لا تقوم على موازين القوى، وشرعية المطالب بل على مقدار تماسك الجماعات وإدراكها لمهامها التاريخية، بعبارة أخرى الشباب يمثل قطاعا غالبا ولكنه خرج بفعل السخط ورفض الواقع المعاش ولم يكن كيانا منظما وهذا ما يفسر ترجمة الاحتجاجات إلى مطالب بعد انضمام الأحزاب السياسية إلى ساحات التغيير، ولم تكن الأحزاب بدورها قادرة على إدارة الصراع وتحقيق التغيير دون تحالفات مع الرموز والقوى القبلية والعسكرية والأمنية. لقد التقت تلك الجماعات المحتجة والمناوئة للنظام القائم حول هدف مؤقت، إسقاط رأس النظام ولم تعمل على إجراء معالجات وتسويات فيما بينها، بما يمكنها من وضع إستراتيجية قريبة وبعيدة المدى، والذي يؤكد ما أقوله هو تشظي مكونات ساحات الاحتجاج واستمرار صراعها ومطالبها بعد سقوط رأس النظام، على سبيل المثال بعض مكونات ساحات الاحتجاج أجلت احتقاناتها ومواقفها من بعض المكونات والشخصيات مؤقتا، وهذا يعلن بوضوح إن الصراع بين مكونات ساحات التغيير سوف يبدأ حال سقوط رأس النظام الهدف الجامع المؤقت.
آ
* طبيعي أن تبدأ الصراعات بعد سقوط رأس النظام، وسقوط رأس النظام انجاز لا يمكن التقليل من شأنه؟
- ذهب رأس النظام فقط أما النظام متجذر في مفاصل وتجاويف مصادر السلطة والقوة، فإزاحته مقدمة لبدء إدارة الصراع مع النسق بهدف إعادة بناء العلاقة بين السلطة والمجتمع وإدراك الجماعات لذلك يفرض عليها تأسيس مسوغات الاستمرار والتوافق ككتلة.
آ
* ماذا كان يتوجب القيام به؟
- كان يتوجب إجراء مصالحات وتسويات بين المكونات بعقلانية تمتص أكبر قدر من الاحتقانات في سياق معالجة توافقية أو في سياق إستراتيجية العدالة الانتقالية وهذا يتطلب درجة عالية من الوطنية المتسامية والمتأسسة على الإدراك الواعي للمهام التاريخية.
* المصالحات والتسويات ستتم في مؤتمر الحوار ولا نستطيع تحميل طرف بعينه مسؤوليتها؟
- المصالحات والتسويات من المتوجب أن تتم بقوة الاتفاق الجمعي على الصالح العام وليس بقوة ضغط خارجية.
آ
* هل تريد القول إن الأسباب المعيقة لإحداث الإنتقال خارجية فقط؟
- لا، فقط كنت مسترسلا في سياق السؤال، طبعاً العوامل الداخلية ساهمت كذلك نظراً لأسباب موضوعية منها غياب رؤية إستراتيجية قائمة على إدراك متطلبات الانتقال كما أن تنفيذ المهام بحاجة إلى تناغم الحكومة، ورئاسة الجمهورية، وبقية المؤسسات التشريعية والقضائية وغيرها.. علاوة عن أن التعيينات المتخذة لا ترفع منسوب ثقة الجماهير بالنظام الجديد، والعمليات الإرهابية، واغتيالات كاتم الصوت، وتخريب المؤسسات الحيوية دون مساءلة أو محاسبة وضبط الجهات، مما أفقد الجماهير الثقة بقدرة النظام الجديد على حمايتهم أو حتى تحسين مستوى معيشتهم نتيجة لضعف استيعاب الحكومة للقروض والهبات المقدمة في هيئة برامج قصيرة وبعيدة المدى وحتى الأحزاب السياسية وتحديداً تلك التي كانت في المعارضة اليوم لم تشكل قوة اقتراح من خلال رؤى ومعالجات لكل القضايا الانتقالية مثلها مثل الجماهير تنتظر المبادرة من الخارج ونفس الشأن مؤسسات المجتمع المدني.
آ
* ماذا عن العدالة الانتقالية كإحدى الآليات المتبعة؟
- العدالة الانتقالية تتطلب إجبار بعض الفاعلين السياسيين والعسكريين والأمنيين وكل من كان طرفاً رئيسياً ومعيقاً لإجراء تحول في بنية السلطة والمجتمع على الانسحاب من المشهد السياسي، ثم كيف يمكن المصادقة على العدالة الإنتقالية من قبل أطراف هم مقاصدها وكيف يمكن تحقيق إنجازات باتجاه الإنتقال من قبل حكومة حزبية غير متناغمة بل هي ممثلة لأطراف الصراع واستمراراً له في مجال من المؤكد أن الصراع سوف يستمر بعد التسوية بآليات ومنهجية مختلفة، وحتى لا أطيل أشير إلى قصور معدي مؤتمر الحوار الوطني في تقدير المسألة الجنوبية وبالتالي التهيئة لها من خلال عدد من التدخلات العقلانية المعروفة التي تعيد ثقة أبناء المناطق الجنوبية بالنظام الجديد وتخفف الضغط على ممثليها في مؤتمر الحور ونفس الشأن فيما يسمى قضية صعدة التي لم تعد مجرد معالجة آثار بل مسألة عقائدية ووجوداً واقعياً وتنظيمياً في الفضاء الجغرافي والاجتماعي والسياسي والمذهبي ومعالجتها فوق وطني. وأخيراً كنت في حديث مع أحد خبراء التسوية وتحدثنا في وقت مبكر عن آلية اختيار ممثلي مؤتمر الحوار غير الملائمة وهذا ما نقف عنده اليوم من جدل حول شرعية تحول أعضاء مؤتمر الحوار إلى جمعية تأسيسية ونفس الشأن شرعية ممثلي أبناء المناطق الجنوبية.
آ
* اسمح لي بالعودة إلى المبادرة الخليجية وتحديداً دورها في إعاقة مسار الثورة والانتقال؟
- في هذا المستوى سوف أتحدث عن الاتفاقية الخليجية والدولية وتحديداً بن عمر وفريقه، لقد اتبعت الاتفاقية الخليجية وآلياتها التنفيذية نفس الآلية التي اتبعتها السعودية في حل الصراع الجمهوري الملكي مع نهاية الستينات عندما أعادوا الملكيين كشركاء دون إجراء تسويات وتوافقات الأمر الذي جعل الحقل السياسي والاجتماعي مضطربا وغير مستقر وانعكس ذلك على بنية الدولة والتنمية وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للمبادرة الخليجية فإن أدبيات الأمم المتحدة في مجال التسويات إثر الصراعات تجعل من بن عمر وفريقه يتلافى الأمر بإجراء بعض التعديلات التي تستجيب لشروط التسويات ومنها العدالة الانتقالية التي بدونها يعد توقيع التسويات مجرد تأجيل مؤقت للصراع.
آ
* بالمقابل هناك من يقول إن المبادرة الخليجية جنبت اليمن مصيرا كارثيا وإنها كانت في الممكن كما يقال في السياسة وأن المشكلة في عدم تنفيذ المبادرة وإلا فماذا كان البديل للمبادرة؟
- التسوية الخليجية جنبت اليمن ممكن الاحتراب وفي نفس الوقت جنبت دول الخليج والمجتمع الدولي آثارها وتداعياتها وبهذا المصلحة مشتركة، أنا اقصد أنها لم تستجب لتطلعات الشعب اليمني الذي انتفض واحتج في ساحات التغيير رفضا لواقعه المعاش أملا ببناء دولته المدنية وعليه أقول معوقات تنفيذ المبادرة ساكنة في بنود وآليات التسوية ذاتها.
آ
* الآن ما تأثير وانعكاسات شعور المجتمع بعدم وجود تغيير حقيقي؟
- التأثيرات شديدةآ الخطورة، فغالباً ما يصاحب التحولات المجتمعية الكبرى استعدادات فردية وجمعية نفسية واجتماعية وسياسية واقتصادية للإتساق في المجال الجديد فإذا ما أخفقت أو تعثر المجال في جذبهم فإنه يحدث نكوصا فرديا وجماعيا نحو مراحل أكثر بعداً من مواضعهم السابقة كما هو الحال مع المواقف من الوحدة اليمنية ولهذا يتوجب تلافي القصور من خلال سياسة إعلامية شفافة تطلع الجماهير بحجم التحديات وتشركهم وتزرع الأمل بداخلهم.
آ
* ما المطلوب من رئيس جديد كالرئيس هادي جاء بعد رئيس حكم ثلاثة عقود؟
- سأتحدث في مستويين المستوى الأول يتوجب أن تكون مسوغات القرارات مستجيبة للإنتقال بقدر أكبر فتوزيعها حسب قوة الجماعات والفاعلين في الحقل لا تصنع التحول حيث أن التمثيل الوفاقي كان أحد الأسباب الرئيسية المؤدية إلى احتجاجات فبراير 2011، أما المستوى الثاني فإني أذكر رئيس الجمهورية بالمقولة التالية "إن الأيادي المرتعشة لا تقوى على صنع الحرية".
آ
* من الصعب إرضاء كل الأطراف بالتعيينات وستظل الاتهامات قائمة مهما كانت جيدة؟
- أنا لا اقصد إرضاء الأطراف وإنما احتياجات المرحلة التأسيسية وتجنب آليات التمثيل المتبعة في الماضي.
آ
* الرئيس هادي يتحدث عن صعوبات ومعوقات في الواقع لا يدركها المنظرون؟
- فوض الشعب اليمني الرئيس هادي المسئولية في مرحلة تاريخية معروفة تحدياتها ومطالبها، والمتوجب ألا يكون الإدراك ذريعة لقصور الأداء، فالمرحلة تستدعي الانفتاح على الجميع وإشراكهم فالمسئولية جماعية وهذا ما يجنب جعل الرئيس هادي شماعة تعلق عليها أخطاء الجميع.
آ
* هناك من يقول إن الرأي العام طموحه بلا حدود بعد الثورة خلافا للواقع وأن طبيعة المرحلة الانتقالية عادة ما تكون مضطربة وغير مستقرة؟
- عندما تنتفض الجماهير فإنها تعبر عن سخطها على واقعها المعاش وتطلعها لواقع مغاير، وبقاء التطلع إيجابي إذا ما استطاعت السلطة الانتقالية الاستجابة لأكبر قدر ممكن من الإجراءات الملموسة باتجاه الواقع المأمول وهذا يحافظ على قاعدة جماهيرية للمشروع الجديد، الأخطر والذي نحذر منه هو خذلان تلك التطلعات فالجماهير الحاملة للمشروع الانتقالي تتحمل وتساهم في ضبط وتخفيض اثر الاضطرابات واللاإستقرار.
آ
* ما حجم ضرر بقاء علي عبدالله صالح حاضرا في العملية السياسية؟
- إحداث انتقال فعلي يتطلب انسحاب صالح وآخرين من المشهد السياسي وهذا شرط موضوعي نظريا وعمليا من التجارب الدولية وهذا البقاء يجعلنا ننظر بعين الريبة للراعي الخليجي وفي نفس الوقت نعيد تقديرنا وقراءاتنا بمقدار الثقة الممنوحة للأحزاب السياسية المشاركة "المعارضة" في إدارة الصراع بما يحقق مصالح الجماهير وتطلعاتهم.
آ
* هل أنت مع مرحلة إنتقالية طويلة خصوصاً وأن هناك رؤى تطرح لمرحلة تأسيسية جديدة؟
- أعتقد أن المرحلة التأسيسية أصبحت ضرورة موضوعية نظراً لعدم إنجاز المهام المرسومة للفترة الانتقالية بفعل عوامل متعددة، في نفس الوقت إفقاد جدوى إستراتيجية أحد أطراف الصراع بالعودة إلى مركز السلطة بشكل مباشر أو غير مباشر وبتجرد وموضوعية، البلد بحاجة إلى تهيئة المجال اليمني لاستيعاب الإجراءات الإنتقالية بنسبة مخاطر منخفضة.
آ
* ما هي مخاطر عدم وجود مرحلة تأسيسية؟
- الأهداف المنتظرة من المرحلة الانتقالية لم تحقق مقاصدها المرسومة بسبب عدد من العوامل المجتمعة أشرنا إليها في مواضع عدة وعليه فالمرحلة التأسيسية مطلب موضوعي للتموضع في منطلق مدار الانتقال باتجاه بناء الدولة المدنية المنشودة.
آ
* نلاحظ بعد الثورة الشبابية الشعبية ارتفاع الأصوات الطائفية والمناطقية والدعوات الانفصالية، ما السر؟
- تلك الانتماءات الأولية هي من مخرجات إدارة شئون الدولة والمجتمع التي اتبعها النظام السابق وكان من المفترض تآكلها من خلال تلك الاستعدادات التي أشرت إليها سابقاً، بعبارة أخرى هذه إحدى المؤشرات ذات الدلالة السلبية للنكوص بفعل عدم قدرة النظام الجديد على موضعة الأفراد والجماعات في سياق الانتقال.
آ
* تتحدث عن نظام جديد، هل تقصد نظام في طور التشكل أم ماذا؟
- نظام جديد مهمة أسهل من إعادة بناء العلاقة المختلة بنيويا بين السلطة والمجتمع.
آ
* هل الفدرالية هي الحل في ظل الشروخ الاجتماعية؟
- المفاضلة بين الدولة البسيطة والمركبة يفصلها الصالح العام وهذا يشترط توفر القناعة والقول والفعل لدى كل الجماعات المتحاورة بتحقيقه أي الصالح العام والحال اليمني لا يتضمن ذلك الشرط الجمعي، فالحراك الجنوبي له صالح عام مستقل يتفاوض مع بقية المكونات لتحقيقه وهناك جماعات أخرى متشددة بهدف تحقيق الاعتراف بها وكذلك بفعل الإقصاء والتهميش الذي عانت منه وإذا ما توفر تحقيق الصالح العام كهدف جامع فإن تحديد شكل الدولة يتم بناءً على دراسات متعددة يعدها خبراء تكنوقراط، وبناءً عليها تتم المفاضلة وأختم بالقول إن خيار الفدرالية الثنائية أو المتعددة محفوفة بالمخاطر المؤكدة وفقاً للمرجعيات السوسيولوجية، ما لم يمنح المركز ولمدة عقد من الزمن نسبة عالية من السلطة.
آ
* كانت التوقعات أن صوت الانفصال سيخفت بصعود جنوبي إلى سدة الرئاسة وان
آ الحوثي سيتحول إلى حزب سياسي بحكم التغيير الذي حدث؟
- الإقصاء والتهميش الممنهج الذي تعرض له أبناء المناطق الجنوبية بنيوي وليس فرديا وتعيينهم على رأس كل السلط لا يصلح المسألة. وعليه نقول التشخيص السليم نصف العلاج.
آ
* ما هو أخطر ما تواجهه اليمن في الوضع الحالي برأيك؟
- افتقار أغلب النخب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمدنية والأكاديمية والإعلامية للمبادرة الفاعلة والبناءة، بعبارة أخرى عدم انتقال هذه النخب من المستوى السلبي غير المبالي أو مجرد المحتج إلى قوة اقتراح متأسسة على الدراسات المقارنة والملائمة للفضاء اليمني باعتبارهم المعنيين أولاً وأخيراً بشأن صناعة مستقبل وطنهم.