سياط التعذيب لم تفرق بين أسير ومخطوف.. الخارجون من سجون الحوثي “أدلة لم تلفت كاميرا “العدالة”

السياسية - Thursday 22 October 2020 الساعة 10:10 pm
عدن، نيوزيمن:

خلف النوافذ الحديدية في سجون ذراع إيران في اليمن، سنوات طويلة قضاها أسرى يمنيون تحت التعذيب، انعكست أيضاً على حياة من هم خارجها. آباء وأمهات أو أبناء وبنات أو زوجات وخطيبات، إجراءات وحّدت السجين مع أهله في العذاب وفرقت بينهم فيما دون ذلك، إمعاناً في العقوبة للأسير ولأهله.

ولم يخرج أحد من سجون الحوثي دون علامات تعذيب، سواءً أسر في جبهة أو خطف من بين أولاده، اعتقل بتهمة أو بالاشتباه أو بالخطأ. ورغم الطوابير الطويلة للمعذبين وعلامات التعذيب، فإن هالة إعلامية ضخمة مولتها “الأمم المتحدة” لتلميع “الإفراج”، ولم يقل أحد جملة واحدة عن “الانتهاكات؛ التي وثق بها الحوثي سجونه علامات فوق كل جسد خرج من بين براثنه.

ناجي محمد سليمان

كلفه حماسه للمساعدة في توزيع الخيام والسلال الغذائية للنازحين سنوات طويلة أُهدرت في معتقلات الحوثي وفقد شريكة حياته وهي ذاهبة لزيارته إثر انفجار لغم حوثي.

ناجي من أبناء قرية السعيدية التابعة لمديرية الخوخة بمحافظة الحديدة، كان يطلق المناشدات الإنسانية لإغاثة النازحين في قرى وأرياف الخوخة والمخا بالمواد الغذائية والايوائية ويعمل على التواصل مع التجار والمنظمات الإنسانية لتلبية الواجب.

على لسان ناجي: أُعتقلت تاريخ 28 / 6 / 2017م بعد أن تلقيت اتصالا هاتفيا لاستلام تسعين سلة غذائية من أحد التجار في مديرية حيس لتوزيعها على نازحي المخا، وقضيت ما يقارب أربعة أعوام في المعتقل، وتعرضت لأنواع التعذيب والمعاناة.

المختطف الآخر (مشتاق دعّاك) من أبناء الحديدة تم اعتقاله بسبب وشاية أحد خصومه الذي يعمل مع الميليشيات الحوثية ليقوم بتصفية حساباته مع الكثير من أبناء جلدته.

تم اختطاف مشتاق التهامي البسيط مع سيارته التي كانت مصدر رزقه الوحيد، وإجباره على التوقيع على ورقة يتنازل بموجبها عن سيارته، وتم الزج به في معتقل طويل الأمد وإلصاق التهم الكيدية الكاذبة بحقه ومصادرة ما بحوزته من مبالغ مالية مع أوراقه الشخصية وبطاقة الهوية.

المواطن المختطف حسن مسيبلي من أبناء الحديدة رجلٌ بسيط كان يكافح من أجل أسرته لإيجاد لقمة العيش يحمل همّ أهله لتحسين حالتهم المعيشية، تم اعتقاله من داخل عشّة بسيطة وألصقوا به تهما سياسية كاذبة وهو لم يعرف معنى السياسة وصورته كافية للرد على تلك الأكاذيب، وظل تحت التعذيب لسنواتٍ ليلا ونهارا.

المختطف فيصل حساني من أبناء حيس - الحديدة، وأستاذ في مدرسة جرير، كان ذنبه انه غضب من تغيير مناهج التعليم وتبديلها بأفكار طائفية ومذهبية حوثية، وتم اختطافه من بين أولاده وتعرض لأشد صنوف التعذيب لمدة أربعة أعوام وثلاثة عشر يومًا.

أسرى الحرب

وحصد أسرى الحرب عذابات مشابهة، لم يظهر منها حتى الآن سوى القليل.. ووفقا لمدير المركز الاعلامي لألوية العمالقة، أصيل السقلدي، فإن جميع الأسرى المفرج عنهم من سجون مليشيا ‎الحوثي تعرضوا للتعذيب طوال فترة أسرهم.

في 4 أغسطس 2018م، وقع أسيرًا بمديرية الدريهمي، أثناء تعرضه للإصابة بطلق ناري في إحدى قدميه، "محمد رشاد" من أبناء الشطيف التابعة لمحافظة لحج، ويسكن في دار سعد بمحافظة عدن، وهو جندي في اللواء الثالث مشاة المرابط بالساحل الغربي ضمن القوات المشتركة.

وتم الإفراج عنه في صفقة تبادل الأسرى التي جرت بإشراف اللجنة الدولية للصليب الأحمر مؤخراً، لتتفاجأ أسرته بتغيير ملامحه التي يتميز بها، وأصبح فاقدًا للذاكرة كليًا، لا يعرف أحد ولا يدري أين يكون ومن هو ومن هي عائلته، وغير قادر على تناول الطعام أو ارتداء ملابسه وأداء الصلاة، ولا يستطيع فعل شيء.

يقول أحد أصدقاء "محمد": عاملوه بأسوأ معاملة وهو مصاب، وقد أدخلوه في سجن تحت الأرض لمدة أربعة أشهر وأخرجوه ثم أعادوه لمدة شهرين ويتلقى التعذيب فيها باستمرار ومعاملات سيئة للغاية.

حين وصلت الطائرة تم نقله بسيارة إسعاف إلى المستشفى الألماني في عدن، في محاولة لمعالجة اثار التعذيب. كان الحوثيون يخفونه لأربعة وثلاثة أشهر، انقطع عنه التواصل مع أهله لأشهر. هو اليوم فاقد الذاكرة لا يتعرف على أحد ولا يتحدث مع أحد. ولا يقدر حتى على ارتداء قميصه أو يأكل لقمة طعام.

تجاهل العذابات.. رسالة سيئة السمعة

في مقال لها أعاد نشره الأسبوع الفائت مركز السياسات اليمني، تتبعت “ستايسي فيلبريك ياداف” أزمة “العدالة” في اليمن، بعنوان “لا سلام بدون عدالة؟ تأمين نهاية عادلة للحرب في اليمن”.. خلصت الكاتبة، وهي أستاذة جامعية أمريكية وباحثة ومراقبة للشأن اليمني، أن “تاريخ اليمن الحديث (يكشف) وجود المطالبة بالمساءلة عن جرائم الماضي، غير أنه يكشف لنا أيضاً عن تهميشها على نحو متكرر باسم السلام”، معتبرة أن “السعي نحو العدالة قد يصبح مساراً إلى السلام. وفي غياب تحول في المنهج الذي يتبعه الوسطاء الرسميون للسلام نحو هذه النماذج من بناء السلام اليومية، فإن اليمنيين لن يتمتعوا لا بالعدالة ولا بالسلام”.

لم تكن الكاتبة تتحدث عن مسار التعذيب في سجون الحوثي، لكن ليس هناك مثال صارخ لسقوط “العدالة” مثلما هو مرور جرائم الحوثي الضخمة والعلنية والتي صار لها مئات الشهود الذين اصطفوا في عمليات التبادل، دونما حتى لفت انتباه مستحق.