
وأنت تقف أمام قصر "الشريف" بمحافظة شبوة جنوبي اليمن يخيل لك أنك تقف أمام أحد قصور الإمبراطوريات، فقصر أمير بيحان حسين بن أحمد الهلبي، حاكم الإمارة الهبيلية، يتصف ببناء منيع وعلى مساحة شاسعة.
شُيد القصر في منطقة النقوب (شمال غرب محافظة شبوة) خلال الربع الأول من القرن الماضي، كمسكن ودار حكم لإمارة الهبيلي، إبان حكم الاحتلال البريطاني، بعد أن عين الأخير (الهبيلي) أميراً على كامل المنطقة.
حكمت أسرة آل الهبيلي منطقة "بيحان" في القرن السابع عشر الميلادي، وتولى الشريف حسين الحكم بعد أبيه عام 1935م واستمر حكمه حتى سقوط الإمارة في 19 أيلول 1967م على يد ثوار الجبهة القومية المناهضة للاحتلال البريطاني.
ورغم أن الفترة، التي حكم فيها الشريف حسين، شهدت نزاعات وتطورات خطيرة في المنطقة وأطماعا دولية وداخلية واستعمار بريطانيا لجنوب اليمن، إلا أنه استطاع بحنكته السياسية تكوين إمارة أصبحت لها الزعامة على بيحان وعاصمتها النقوب، وهي الإمارة التي عرفت باسم الإمارة الهبيلية الهاشمية.
مكونات البناء من خارج القصر
بُني القصر من الحجر المُغطى بطبقة من الكلس الأبيض (النورة) على يد معماريين استقدمهم الأمير خصيصاً من محافظة حضرموت لتشييد قصره وقصور إخوته المنيعة ارتفاعاً والمشعة في محيط صحراوي مقفر تحيط به بيوت طينية متواضعة للمجتمع المحلي وبيوت من الشعر للبدو الرُحل.
قصر "الشريف" من الداخل
يضم قصر "الشريف" في طابقه الأول نحو 15 غرفة، ويحتوي على نحو 20 غرفة في الأدوار العُلوية، وكل جناح يتبعه ملحق منعزل، وهو عبارة عن مجموعة غرف استُخدِمت كمخازن ومطابخ ومساكن للحراس والخدام وغيرها.
ولضخامة وأهمية القصر، حولته حكومة الاستقلال الوطني (الحكومة التي تشكلت في جنوب اليمن عقب رحيل آخر جندي بريطاني من عدن) إلى سكن داخلي لأبناء الفلاحين الفقراء القادمين لطلب العلم من مختلف مناطق اليمن، وحافظت عليه بالصيانة الدورية والترميم وظل تحت إشرافها حتى قيام الجمهورية اليمنية عام 1994م.
قصائد شعرية في مدح الأمير والقصر
كان الأمير حسين بن أحمد يحب الشعر ومجالسة الشعراء، ومن هؤلاء الشعراء سمير بن سليم شرف الشنبري، الذي نظم قصيدة شعرية عقب جلسة مع "الشريف" في قصره، قال فيها:
حييت يا قصر على العز مبناه
قصر شموخه من شموخ الرجالي
قصر على العليا تسامت زواياه
تاريخ واضح ما يبيله جدالي
منهو تذرابه من الخلق درّاه
مزبان من ضدّته قُشر الليالي
فأعجب به الأمير وجعله من الشعراء في القصر.
إهمال وسلب وتدمير
تعرض القصر حينها، لأعمال السلب والنهب والتدمير وأضحى خاوياً مهملاً حتى يومنا هذه، بحجة أنه كان سكناً داخلياً لطلاب "مدرسة الشعلة" التابعة لجمهورية اليمن الديمقراطية ذات المرجعية الاشتراكية، وهي الحجة التي ساقها أنصار نظام صالح ذوي المرجعية القبلية الدينية المتطرفة، لنهب القصر وطمس معالمه حتى بات اليوم مهجوراً خاوياً شبه أطلال لا تزال تُذكِّر بعظمته وروعة وإتقان بنائه، لعل يداً حانية تمتد لتعيد إليه الحياة في ربوعه المدهشة.