بين سدي مأرب وحسان أبين.. استراتيجية إماراتية واعدة لتحقيق الأمن الغذائي في اليمن

تقارير - Sunday 11 December 2022 الساعة 08:21 am
عدن، نيوزيمن، خاص:

منذ القِدَم، تسارع دولة الإمارات العربية المتحدة لتبني مشاريع تنموية كبيرة في اليمن، وفي عدة قطاعات أساسية وخدمية، وذلك ضمن استراتيجية واعدة هدفها تحقيق الأمن والاستقرار وتوفير العيش الكريم.

ولعل أبرز المشاريع التي تبنتها دولة الإمارات، وظلت خالدة في وجدان وتاريخ اليمن، مشروع إعادة بناء وتأهيل سد مأرب 1982، والذي تبناه رجل الخير والعطاء الأول المغفور له -بإذن الله- الشيخ زايد بن سلطان، مؤسس ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة. 

وعلى مر سني تَعَاقُب القيادة الرشيدة، ظلت دولة الإمارات تقدم الدعم السخي لليمن عبر حزمة متواصلة من المشاريع التنموية والإنسانية، التي جسدت عمق العلاقة الأخوية الصادقة والمتينة بين البلدين والشعبين الشقيقين. وبات "زايد الخير" اسماً يتناقله الأجيال ومحفوراً في ذاكرة الشعب اليمني الذي يبادل الوفاء بالوفاء.

إنقاذ سد مأرب

ويعتبر سد مأرب أحد أقدم السدود في العالم، ويعود تشييده إلى القرن الثامن "ق. م"، على أيدي السبئيين، واعتبره المؤرخون وعلوم الآثار معجزة تاريخية في شبه الجزيرة العربية. وأظهرت الآثار والنقوش التاريخية في مأرب أن السد لم يكن الوحيد الذي بناه السبئيون لحصر مياه الأمطار والاستفادة منها في الزراعة إلا أنه الأشهر، حيث يروي ما يقارب 24,000 آكر (قرابة 98,000 كم مربع).

وأعاد مشروع بناء سد مأرب القديم، في العام 1984، الروح إلى أرض سبأ وحضارتها القديمة، واعتبر -حينها- أحد أكبر المشاريع الإنمائية في اليمن، خصوصاً وأن المشروع يحقق نهضة زراعية ما زال اليمنيون ينعمون بثمارها حتى اليوم. 

تدخُّل حكيم العرب، الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله، لإنقاذ سد مأرب يعود إلى شهر أبريل من العام 1982 عندما خصصت دولة الإمارات قرابة 3 ملايين دولار أمريكي بشكل عاجل لمساعدة المنكوبين الذين تضرروا من الفيضانات في اليمن، وتهالك سد مأرب الذي يهدد حياة اليمنيين ويدمر الأراضي الزراعية بين الحين والآخر بسبب الأمطار الغزيرة.

وتبنى الشيخ زايد مشروعاً متكاملاً لإعادة بناء وتأمين السد، وتوفير الأموال اللازمة لإنجاز هذا المشروع الذي يضع حلاً نهائياً للمشكلة الأساسية التي كانت تواجه اليمن حينها. 

وفي عام 1984 قدمت الإمارات أموالاً إضافية لمواصلة العمل في بناء السد. وفي الثاني من شهر أكتوبر من العام نفسه وضع المغفور له -بإذن الله تعالى- الشيخ زايد حجر الأساس لمشروع ينهي الدمار الذي تسببه الفيضانات ويجدد خصوبة آلاف الهكتارات من الأرض الصالحة للزراعة مستقبلاً، وبعد عامين قام الشيخ زايد بافتتاح السد الذي انتهى العمل فيه قبل التوقيت المقرر له، والذي امتدت فوائده إلى جزء كبير من اليمن.

ولم يتوقف دعم الإمارات لاستكمال سد مأرب عند هذا الحد، ففي 25 نوفمبر 2002 بالعاصمة صنعاء تم توقيع اتفاقية تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع السد بتكلفة قدرها 87 مليوناً و820 ألف درهم على نفقة الشيخ زايد الخاصة. لتبلغ مساحة بحيرة السد 30 كيلومتراً مربعاً، وتتسع لـ400 مليون متر مكعب من الماء، وتروي حوالى 16000 هكتار من الأراضي.

سد حسان.. بصمة جديدة 

وتعد منطقة دلتا أبين من أخصب المناطق الزراعية، بسبب مكوناتها الطينية الفريدة التي تكونت بفعل ترسيب كل من وادي بنا ووادي حسان أثناء الفيضانات الموسمية. وتبلغ المساحة الزراعية في وادي حسان بنحو 000ر10 هكتار يزرع منها حالياً 000ر5 هكتار ويبعد وادي حسان حوالى 77 كم شمال شرق العاصمة عدن.

خلال الأيام الماضية، أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد العليمي، عن انطلاق واحد من أهم المشاريع الاستراتيجية في محافظة أبين، والمتمثل بمشروع سد حسان، والذي يأتي بتمويل من دولة الإمارات ضمن الجهود الرامية إلى إنعاش القطاع الزراعي وتعزيز الاقتصاد الوطني، خصوصاً وأن دلتا أبين من الأراضي اليمنية الخصبة التي تزخر بالزراعة والمحاصيل المتنوعة.

وقال العليمي، أثناء الإعلان عن المشروع: "مشروع سد حسان في محافظة أبين بتمويل إماراتي، من المشاريع الاستراتيجية الهامة الذي من شأنه أن يمثل دفعة قوية للقطاع الزراعي في المحافظة، ولأمننا الغذائي والمائي بصورة عامة عملاً بشعارنا المشترك يد تبني، ويد تحمل السلاح".

ويعد سد وادي حسان من أكبر السدود في المحافظات الجنوبية بتمويل صندوق أبو ظبي للتنمية، إذ يهدف مشروع سد وادي حسان إلى التحكم بالفيضانات وتنظيم الري للأراضي المستفيدة من الوادي، ويتضمن المشروع سدا تخزينيا بسعة تخزينية قدرها 5ر19 مليون متر مكعب.

ويبلغ عدد المستفيدين من المشروع 000ر13 مستفيد، كما سيعمل المشروع على تغذية 75 بئرا للمياه في عدن وأبين ولحج، وبحسب الدراسات فإن طول السد عند القمة يبلغ 337 متراً، وعرضه عند القمة 6 أمتار، مساحة بحيرة السد 42ر2 كم مربع، وتبلغ مساحة منطقة التجميع 3200 كيلومتر مربع، ومتوسط جريان المياه السنوي نحو 39 مليون متر مكعب، وسيبلغ أعلى منسوب للمياه في السد 135.5 متراً.

حاجة مُلحة للسد 

تعد محافظة أبين، جنوبي اليمن، واحدة من أكثر المحافظات الزراعية المُنتجة للمحاصيل المتنوعة في البلاد. وتتميز هذه المحافظة بمناخها المعتدل وخصوبة التربة فيها. وتشتهر أبين بالأودية التي يُقدر عددها بـ15 وادياً، إلى جانب مجاري السيول التي تنحدر من مختلف مناطق البلاد، وتمر بها لتصب في مياه بحر العرب بشكل كبير.

وتنقسم المناطق الصالحة للزراعة في المحافظة التي تبلغ مساحتها حوالى 21489 كم² إلى ثلاث، أولها المناطق الساحلية وتشمل (دلتا أبين، دلتا أحور، ويرامس)، والتي تُشكّل أكبر مناطق المحافظة الزراعية من حيث المساحة. وتأتي بعدها المناطق متوسطة الارتفاع؛ وتشمل مناطق (لودر، مودية، المحفد، سباح، سواد، ورصد)، وتحتل المرتبة الثانية من حيث المساحة الزراعية. بينما تأتي مناطق (جيشان، ودمان) الجبلية في المرتبة الثالثة من حيث المساحة الزراعية فيها.

ويعد الري عبر مياه السيول في مناطق دلتا أبين شريان الحياة النابض بالخير والرزق الوفير. وشهدت المحافظة خلال الأشهر الماضية تدفقاً كبيراً لسيول الأمطار، والتي وصلت إلى واديي بناء وحسان، ولم يشهد لها مثيل منذ العام 1982 بحسب مراقبين في القطاع الزراعي ووزارة المياه والري بالمحافظة. إذ بلغ ارتفاع منسوب مياهه أكثر من (8 أمتار مما هدد باجتياح عدد من المناطق في دلتا أبين بعد تدمير الدفاعات الجابيونية وانهيارها بالكامل، كما جرفت السيول مساحات واسعة من الأراضي الزراعية.

ولا يتم الاستفادة من المياه الكبيرة الجارية في الأودية بسبب الأمطار، بل تذهب معظم تلك الكمية إلى مياه البحر، لعدم وجود أي سدود كبيرة تحجز هذه المياه المهدرة التي يمكن الاستفادة منها كمخزون استراتيجي في الزراعة. 

ويؤكد المزارع، صالح يسلم، في مديرية خنفر، أن الكثير من المزارع في دلتا أبين تضررت بفعل السيول الجارفة التي تجري في الأودية أثناء موسم الأمطار، والكثير من الأراضي الزراعية باتت اليوم مهددة بالانجراف خصوصاً وأن المصادات والدفاعات تضررت بشكل كبير وبعضها تدمر.

وقال: مؤخراً، تسببت سيول الأمطار في تضرر أكثر من 60 فداناً من الأراضي الزراعية في مديرية خنفر، التي تعد من أكبر المناطق الزراعية في أبين، والمتبقي 250 فداناً فقط من تلك الأراضي بعد أن كانت تعد من أهم المناطق الزراعية المصدرة لجميع أنواع الخضروات والفواكه. 

وأضاف يسلم: الزراعة في خنفر أصبحت في خطر حقيقي وكبير في حال لم يتم الإسراع في إصلاح الأضرار التي لحقت بالدفاعات الجابيونية التي كانت تحمي المنطقة والأراضي الزراعية من السيول.

استراتيجية واعدة

يعتبر الأمن الغذائي من الأمور الملحة لنمو اقتصاد أي دولة، حيث تسارع حكومات الدول إلى وضع خطط وسياسات لابتكار مشاريع تسهم في توفير الحلول لتحقيق هذا الأمن وإيجاد سبل عيش مستدامة.

لعل دعم التنمية الزراعية والريفية والمحافظة على حماية البيئة، إحدى أهم تلك الخطط والسياسات الاقتصادية، التي تعمل عليها الدول في ظل نقص المياه الجوفية، والنمو السكاني المتزايد وارتفاع احتياجات المستهلكين، وصولاً إلى التغيرات المناخية وانحسار الزراعة بسبب قلة مياه الأمطار.

ومشروع بناء وادي حسان في محافظة أبين، يندرج ضمن استراتيجية الأمن المائي، حيث تهدف هذه الاستراتيجية لضمان استدامة واستمرارية الوصول للمياه خلال الظروف العادية والطارئة. وبهذه الطريقة سوف تساهم هذه الاستراتيجية في ازدهار المجتمع وتقدمه والحفاظ على نمو الاقتصاد الوطني. 

وسيسهم المشروع في حفض ندرة المياه، وزيادة كفاءة استخدام المياه في الزراعة، وتقليل الضغط على المياه الجوفية المستخدمة في الزراعة، وتوفير الاحتياجات المائية المستقبلية بصورة مستدامة، إلى جانب تشجيع أنظمة الحصاد، وتوسيع المساحات الخضراء، وتشجيع المزارعين على الاستمرار وإعادة إنتاج المحاصيل الهامة والضرورية خصوصاً محصول القمح.

وظل مشروع بناء سد حسان، حلماً يراود أبناء أبين فترةً طويلة. وظل حبيس الأدراج منذ عام 1994م يُرحل من عام إلى عام ومن حكومة إلى حكومة، وسط وعود كاذبة، كانت نتائجها كارثية، بعد انحصار الأراضي الزراعية في دلتا أبين بسبب التوسع العمراني، ناهيك عن الجفاف والتصحر الناتج عن قلة المياه ونضوب المخزون الجوفي.

وبحسب الباحثين الزراعيين في أبين، فإن إعادة بناء سد وادي حسان الزراعي يكتسب أهمية كبيرة لقطاع الزراعة والمزارعين وسيساهم في تنظيم الري لمساحات واسعة من الأراضي الزراعية الواقعة في إطار السد والتشجيع على استصلاح الأراضي البور والاستفادة من مياه السيول التي تذهب حالياً هدراً إلى البحر، وسوف يساهم في زيادة وتحسين الإنتاج الزراعي وتحسين مستوى الدخل للمزارعين ورفد السوق المحلي بالمنتجات الزراعية المختلفة وسيساهم في مكافحة الفقر من خلال تشغيل عدد كبير من الأيادي العاطلة عن العمل من أبناء المحافظة.

أبين.. تعود سلة غذائية

على مدار السنين، شكَّل القطاع الزراعي في أبين مصدر دخل لغالبية المواطنين، حيث يعتمد 70% من سكان المحافظة على الزراعة في معيشتهم. تنتج أبين العديد من المحاصيل الزراعية المتنوعة، التي تشكل 5% من الإنتاج الزراعي في اليمن. وتأتي الحبوب والبقوليات والفواكه والخضروات وكذلك المحاصيل النقدية كالقطن والبن كأهم المحاصيل التي تنتجها المحافظة. وارتفع إجمالي الإنتاج لهذه المحاصيل حتى وصل إلى 228141 طناً.

وبرغم قدرتها على رفع مستوى الدخل الاقتصادي للبلاد بشكل كبير وملحوظ، إلا أنَّ الإهمال وعدم الاكتراث لهذه الجوهرة كان حاضراً من كل الحكومات السابقة التي تناوبت على إدارة البلاد. إلى جانب عدم وصول مياه السيول لفترات طويلة إلى بعض الأراضي الزراعية أدَّى إلى تصحرها وجعلها عرضة للاستغلال من قبل مُلاك الأراضي وتحويلها إلى أراضٍ سكنية.

حلم تحقق بعد طول انتظار

صدى كبير حظي به إعلان رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد العليمي، بشأن الاتفاق على بدء المرحلة الأولى من مشروع إنشاء سد وادي حسان الاستراتيجي في أبين، بتكلفة 100 مليون دولار بتمويل من صندوق أبوظبي للتنمية.

ورحبت قيادات حكومية ومحلية في أبين، بتحقيق هذا الحلم الذي طال انتظاره لسنوات، موضحين أن هذا المشروع يعد أحد المشاريع الاستراتيجية الهامة الذي سيدفع بالقطاع الزراعي إلى الأمام، وسيعيد لمحافظة أبين مكانتها الزراعية والإنتاجية، وتعود بقوة كسلّة غذائية ستغطي أبين وعموم المحافظات اليمنية.

وقال محافظ أبين أبوبكر حسين، إن إعادة بدء العمل بمشروع سد حسان، الذي توقف نتيجة الأوضاع والاضطرابات في العام 2011م، يبشر بخير، معبراً باسمه وباسم أبناء محافظة أبين عن جزيل شكره وتقديره لرئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي ولرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد، على هذه الخطوة الطيبة والهامة والمباركة والتي بلا شك سيكون لها الأثر الطيب في النهوض بالواقع الزراعي في دلتا أبين المشهورة بأرضها الخصبة والتي تنتج أجود المحاصيل الزراعية.

من جانبه أكد مدير عام مديرية خنفر المحامي مازن اليوسفي، أن هذا المشروع الهام سيخفف من معاناة المزارعين وسيخدم الزراعة والمزارعين وسيسهم في زيادة الرقعة الزراعية وزيادة الإنتاج الزراعي وتحسينه، موضحاً أن مشروع بناء سد حسان لطالما كان حلم وهاجس أبناء المحافظة لأهميته في الدفع بالعملية الزراعية للأمام والاستفادة من مياه السيول في ري الأراضي الزراعية.