الحوثي وإيران.. ارتباط أيديولوجي عميق بدأ قبل أربعة عقود

تقارير - Sunday 29 January 2023 الساعة 02:16 pm
صنعاء، نيوزيمن، محمد يحيى:

بعد نجاح ثورة "الخميني" في إيران 1979، تبنت طهران سياسة "تصدير الثورة" تحت شعار دعم "المستضعفين"، معتمدة في البداية على آليات مذهبية، لتمديد نفوذها دينياً، ما أجج التوتر بينها والجوار العربي، ليعيش النظام الإيراني حالة من الخصومة غير المعلنة مع محيطه، فسعى خلال الأربعين عاماً الماضية إلى تأجيج الصراعات المذهبية في عدد من الدول العربية، ودعم إنشاء مليشيات طائفية، تتيح لإيران تمديد نفوذها في المنطقة العربية، والتدخل المباشر في شؤون بعض الدول.

رافع الراية الخمينية

خلال الحرب العراقية الإيرانية ما بين عامي 1980 و1988، وقف النظام في شمال اليمن إلى صف العراق، وقدمت صنعاء دعمها المباشر لبغداد في حربها الضروس مع إيران التي كانت آنذاك تبذل جهوداً كبيرة لنشر التشيع في اليمن، ضمن سياسة "تصدير الثورة"، عبر استقدام بعثات طلابية يمنية للدراسة في إيران ولبنان.

آنذاك، كان أتباع المذهب الجارودي الإثني عشري في صعدة، وعلى رأسهم آل الحوثي، متأثرين بفكر الخميني، ومؤيدين لإيران في حربها مع العراق، ويسعون إلى مد جسور التواصل مع طهران، في الوقت الذي كانوا فيه يخوضون صراعات دينية مع معارضيهم من علماء المذهب الزيدي، نظرا لتبنيهم أفكارا شيعية متطرفة، خاصة بعد زيارة حسين بدر الدين الحوثي -مؤسس جماعة الحوثي- لإيران في 1986، حيث كان أول الرافعين للراية الخمينية في اليمن.

وكانت نقاشات طويلة دارت حول انشقاق بدر الدين الحوثي وأبنائه عن العلماء الزيديين الآخرين، وتحولهم للمذهب الجارودي الاقرب الى الإثني عشرية المتطرفة، بديلاً عن المذهب الزيدي المعتدل، وخلصت تلك النقاشات إلى الدور الإيراني في اليمن، ودعمها لحركة الحوثي.

ويشير تقرير لموقع bultannews الإيراني عن "أنصار الله" إلى أنه "بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، كان الإمام الخميني شخصية شعبية في عيون حسين الحوثي ووالده"، مضيفا بأن "الحوثي يذكر الناس بالمفاهيم القرآنية، ويتمنى إقامة دولة إسلامية عادلة بعيدًا عن هيمنة الشرق والغرب".

الكاهن في إيران

في العام 1994، نجح الكاهن بدر الدين الحوثي -الأب الروحي للحوثيين- وابناؤه في السفر إلى إيران، لتكون ملجأً مؤقتاً لهم بعد مغادرتهم صعدة، على إثر الخلافات التي تصاعدت بينهم وعلماء الزيدية، بعد تبنيهم الفكر الجارودي الشيعي.

وخلال ثلاث سنوات من إقامتهم في إيران، درس آل الحوثي في مدينة "قم" الإيرانية، المذهب الجعفري الإثني عشري وتعمقوا في الفكر الديني المتطرف.

تأثر حسين الحوثي بالمذهب الجعفري والثورة الخمينية، فعاد مرة أخرى في أواخر التسعينيات إلى إيران، ليتوسع في دراسة المذهب إضافة إلى دراسات سياسية في الثورة الخمينية، وبعد عودته إلى اليمن، تبنى خطابا مماثلا للخطاب الإيراني، بعد أن حشد أتباعًا من حوله، وكسب ولاءهم، ورفع الشعار الإيراني، وأحيا المناسبات الطائفية.

دفعة أولى تجسس

بحلول العام 2000، تكثفت رحلات أتباع الحوثي إلى إيران، وكان من ضمنهم رجال دين وسياسيون وإعلاميون، استقطبتهم طهران، لتلقي الدروس الطائفية في الحوزات الإيرانية، ليعودوا مشبعين بالفكر الخميني.

أسس العائدون من إيران خلايا تجسس لصالح طهران، كشفت عنها الحكومة اليمنية آنذاك بعد أن قامت بتفكيكها، موجهة الاتهامات لطهران بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، وكان من بين أعضاء خلية التجسس محمد مفتاح وأحمد الديلمي العضوان بحزب الحق الطائفي.

عام الصرخة

بعد تمكنها من استقطاب آل الحوثي، وبناء علاقات وثيقة معهم، لاستثمارهم لتنفيذ إرهابها وتوسيع نفوذها في اليمن، سعت إيران لاستنساخ أنموذج آخر في اليمن، على غرار حزب الله في لبنان، حيث يسهل عليها الالتفاف على دول الخليج وخصوصا السعودية.

ولأجل ذلك الهدف، قدمت طهران الدعم لحسين الحوثي، لإنشاء المراكز التدريبية والمخيمات الصيفية وتجهيزها لاستقطاب الشباب، كما ضاعفت دعمها المادي والإعلامي لأتباعه بعد تحولهم إلى جماعة متمردة.

وفي مطلع العام 2002، بدأ حسين الحوثي بترديد الصرخة الإيرانية في مسجد الهادي بصعدة، لتدخل جماعته بعد ذلك في حرب مع الدولة وعلى الحدود السعودية من 2004 إلى 2010، بعد تلقيهم الدعم المادي من إيران، لشراء الأسلحة من السوق السوداء.

طريق تحرير فلسطين

يرى خالد الحروب، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة نورثويستيرن وزميل باحث في جامعة كامبردج، بأن "طهران تقمصت دور حامل لواء "مقاومة إسرائيل" كوسيلة لتوسيع شعبيتها في المنطقة العربية، ليس فقط على مستوى الشعارات التي ترفعها إيران وحلفاؤها، حتى منهم البعيدون جغرافياً عن النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي كالحوثيين".

في أكتوبر 2014، تحدث علي أكبر ولايتي، في لقاء مع مجموعة من القيادات الدينية الحوثية بحسب ما نقله موقع Bulletin News الإيراني قائلا: "تتمتع إيران بعلاقة طويلة الأمد مع الحوثيين، الذين يلعبون دورًا مهمًا للغاية في هذه الثورة"، مشيرا الى أن "القضية الأولى لإيران هي فلسطين، وطريق تحرير فلسطين يمر عبر اليمن، لأن اليمن لديها موقع استراتيجي وهام وبجوار المحيط الهندي وبحر عمان وباب المندب". حد تعبير ولايتي.

تدريب القيادات

مع نهاية الحرب الثالثة في 2006، كانت إيران قد قررت زيادة دعمها للحوثيين، وبدأت ترسل عبر سفارتها بصنعاء، عناصر من الحرس الثوري إلى صعدة لمساعدة الجماعة، وقبل اجتياح صنعاء أواخر 2014، كان أبرز قادة المليشيا الحوثية، قد سافروا الى ايران ولبنان وسوريا، وتلقوا تدريبات على ايدي خبراء من الحرس الثوري، من خلال ذراعيه "فيلق القدس" و"حزب الله".

وبعد 2011، كثفت طهران من دعمها للحوثيين، وعملت على رفع كفاءة مقاتليهم، وخصوصا بعد أن صار التسلل والدخول الإيراني إلى اليمن أسهل مما كان عليه، نتيجة لضعف الدولة اليمنية آنذاك.

وبحسب تقرير لمركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، صدر في مايو 2015، "كان الحرس الثوري ضالعًا بشكل مباشر في تدريب قوات النخبة في جماعة الحوثي"، مشيرا الى أن "جيش الحسين كان نواة قوات النخبة في جماعة الحوثي، وأن هذه القوة تلقت التدريب من الحرس الثوري الإيراني".

وأشار التقرير إلى أن التدريب جرى في جنوب لبنان ودمشق وطهران، على مرحلتين، حيث ركزت المرحلة الأولى التي حصلت في 2011 و2012 على القيادات العليا والوسطية، والمرحلة الثانية نفذت في مخيمات الحوثيين في صعدة، وقد شاركت فيها كوادر من حزب الله والحرس الثوري.

وكانت مصادر دبلوماسية أوروبية كشفت في تصريحات لوكالة الأنباء الإيطالية «آكي» أن الحرس الثوري الإيراني يقوم بتدريب مجموعات من المقاتلين الحوثيين في مراكز تدريب بجنوب سوريا. وأن هؤلاء المقاتلين الحوثيين يخضعون لـ«دورات تدريب عملية من خلال المشاركة في المعارك» قبل أن يعودوا إلى اليمن.

ووفقاً لتلك المصادر فإن «الحرس الثوري الإيراني يقوم بتحضير دفعات من المقاتلين الحوثيين من اليمن، تصل كل دفعة إلى نحو مائة مقاتل، يتدربون في معسكرات في جنوب سوريا، وتحديدا في بصرى وإزرع، ويشاركون في المعارك الدائرة هناك، ليكتسبوا خبرة ومهارات قتالية، قبل أن يعودوا إلى اليمن لتأتي دفعة أخرى بديلة».

وبحسب الوكالة الإيطالية «يُشرف ضباط وصف ضباط من الحرس الثوري الإيراني على هؤلاء اليمنيين وعلى تدريبهم، ويكتسبون في سوريا مهارات يفتقدونها ويحتاجون إليها، وليس للنظام السوري ولا لحزب الله اللبناني أي دور أو نفوذ على هؤلاء المقاتلين الحوثيين».

وتؤكد المعلومات أن قاسم سليماني القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، لعب دوراً بارزاً في تنمية الأواصر بين الحوثيين وإيران وإيصالها إلى قمة التعاون. وعادة ما كان قاسم سليماني يلتقي قيادات الحوثيين الموجودين في الخارج، كما أن "فيلق القدس" اعترف أكثر من مرة بتدريب الحوثيين في اليمن.