أنامل أنهكتها الحرب نحتت الواقع بمجسمات بديعة بصنعاء وفقدت بريقها تحت وطأة النزوح

المخا تهامة - Saturday 25 March 2023 الساعة 12:19 pm
المخا، نيوزيمن، خاص:

يصف نفسه بأنه نحات وحرفي بارع، أتقن المئات من المجسمات الفنية، بعضها تعود لمعالم أثرية والبعض الآخر لأشخاص وسياسيين أثروا الحياة اليمنية كالرئيس الراحل علي صالح.

قبل سنوات عندما كان في صنعاء لم يكن أحمد عباس بهذا الفراغ الذي يعيشه حاليا، إذ أنه كان حرفيا بارعا ونحاتا أنجز العديد من التحف الفنية، قبل أن تجبره مليشيا الحوثي على الفرار كالملايين ليستقر في المخا تاركا خلفه إرثا عظيما بناه خلال 30 عاما من عمره.

ومنذ وصوله المخا قبل ثلاث سنوات، يحاول جاهدا لملمة شتاته، واستنهاض مهاراته التي بدأت بالتلاشي، لكنه يصطدم بنقص التمويل وعدم توفر المواد المطلوبة، والأكثر مدعاة للحزن أن عشاق اقتناء المنحوتات بالمخا، غائبون كليا، لكأن ظروف الحرب غيرت أولويات اهتماماتهم. 

ومع ذلك يبدو أن الرجل الذي شارف عمره على بلوغ السبعين وعمل لسنوات كمعلم للفنون في جامعة صنعاء مصمم على تجاوز كل ذلك من خلال تنفيذ عدد من الأعمال الفنية في هذه المدينة التي صدرت منها أولى شحنات القهوة إلى العالم، لعل بدايتها كانت في إنجاز مجسم فني عند مدخل المدينة، على أمل تنفيذ أعمال أخرى.

في حديثه لنيوزيمن يقول عباس إنه قدم مقترحا للسلطة المحلية بالمديرية، بإنشاء مجسمات تحيي ماضيها العريق عندما كانت تصدر مشروب القهوة إلى العالم، ورغم ما بذله من جهود في إعداد الدراسات، إلا أن تنفيذها على أرض الواقع لم يتم.

يؤكد عباس أن الحماس الذي أبداه مدير المديرية لإنجاز مثل تلك المشاريع الضخمة والتي تعيد إحياء تاريخ المدينة في ذاكرة الأجيال الحالية، كان ملفتا، غير أن غياب التمويل المالي، ربما لم يتح إنجاز تلك الأعمال حاليا.

شغف عباس في إنجاز تلك المنحوتات نابع من رغبته في مواصلة "أقلمة" أنامله على الفن الذي كانت تتقنه خشية أن تنسيها ظروف النزوح وتأثيراته النفسية، في إصرار يعكس حبه للمهنة التي يتقنها.

تذكر مؤلم

يقول عباس، أن تفقد منزلك وعملك وحياتك الخاصة التي كنت تعيشها بأريحية، لتجبر على الهروب تحت وقع المطاردة من قبل مليشيات الحوثي، ثم تستقر في مخيم للنازحين هي أشياء قد تتسبب بانهيار نفسي للشخص الذي انتكست حياته هكذا، بل إنه سيفقد كل إبداعاته لكن ذلك غير وارد على الإطلاق بالنسبة له، إنما يجب أن يتناسى المرء ذلك ليبدأ حياته من جديد رغم منغصات النزوح وظروف الحرب.

في المخا يستحضر ذلك الرجل أجواء الحرية التي يعيشها بعيدا عن الملاحقة أو العيش في خوف دائم من عصابات إجرامية، ويرى أن كل ما فقده لا يساوي شيئا مقابل العيش بكرامة بعيدا عن أجواء الترهيب.

"الأموال سيتم استعادتها بنفس الجهود التي بذلت في بداياتها، لكن الكرامة لا يمكن استعادتها بعد أن تفقدها"، يقول عباس وهو يفترض ما إذا كان قد تعرض للخطف على أيدي العصابات التابعة لإيران واحتمالات التعذيب الذي كان سيلاقيه، "كل ما خسرته من مال لا يساوي شيئا مقارنة بالكرامة التي أعيشها".