أبعاد التصنيف وهجمات الردع.. هل أصبح العالم يدرك تماماً خطر الحوثيين؟

تقارير - Friday 19 January 2024 الساعة 11:24 am
المخا، نيوزيمن، خاص:

احتاج العالم سنتين فقط من سنوات الحرب العالمية الثانية الست، ليدرك خطر النازية المدمر، لكن لا يبدو أن ما يقارب عشر سنوات من الحرب ضد المليشيا الحوثية كافية لإدراك خطر هذه الآفة التي ترعرت برعاية إيرانية وتدليل مفرط من قبل الدول الكبرى، وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا.

اليوم وبعد أن أعادت الإدارة الأمريكية تصنيف المليشيا الحوثية كجماعة إرهابية دولية، تبدو إدارة جو بايدن وحكومة سوناك في لندن في بداية المشوار لتدفع الثمن الذي دفعه اليمنيون بفقدان دولتهم وأمنهم واستقرارهم، ودفعته السعودية والإمارات على وجه الخصوص باستعداء جماعة طائفية متجذرة في المجتمع اليمني واعتادت ادعاء الحق الإلهي في الحكم من خلال سلسلة من أنظمة السلطة الإمامية تنظر للحاضر بعين الماضي لا بعين المستقبل.

أما بالنسبة لليمنيين فقد تفاوت إدراكهم وتقديرهم لهذا الخطر بين من استشعره منذ اللحظة الأولى لنشأة الجماعة، وبين من دفع ثمناً باهظاً ليدرك ذلك، وفي جميع الحالات لم يسلم يمني واحد من دفع هذا الثمن حتى الذين ما زالوا يؤيدون هذه المليشيا ويغترون بشعاراتها المخادعة. 

مهارة التضليل

عندما شنت الدولة اليمنية حروبها الستة ضد المليشيا الحوثية رفعت الأخيرة مظلمتها المذهبية ووقفت إلى جانبها أحزاب المعارضة والمنظمات الحقوقية والإعلام الأهلي وقطاع كبير من المجتمع القبلي المغرر بهم تاريخياً بموالاة آل بيت النبي -صلوات الله وسلامه عليه- خاصة في المناطق التي توصف من قبل المؤرخين بالجغرافيا الزيدية. حينذاك استخدمت مليشيا الحوثي شعار التضليل التاريخي وهو الموالاة لآل بيت النبي والخروج على الحاكم الظالم، ولم تتمكن الدولة من القضاء عليها.

وعندما ثارت الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، انخرطت الجماعة في صفوف المحتجين الشباب الحالمين بدولة مدنية عادلة وتصحيح وضع المجتمع والدولة معاً، وفي غفلة انشغال المحتجين بأحلامهم وسلطة الدولة بقمعهم، كان الحوثيون يستقطبون المزيد من المؤيدين في ساحات الاحتجاج ويؤسسون مكاتبهم في المحافظات، ولا سيما المحافظات الشمالية. وقد تقاسمت المليشيا مع جماعة الإخوان السيطرة على معسكرات الدولة، لكن الأخيرة حصلت بالإضافة إلى المعسكرات على حقائب وزارية في حكومة الوفاق وهو ما لم تحصل عليه المليشيا. ومن هناك بدأ الوجه الحقيقي لها يظهر تدريجيا، لكنها لم تتخلّ عن التضليل الذي كان أبرزه وأشهره إسقاط الجرعة على أسعار المشتقات النفطية عام 2014، واعتصاماتها التي حاولت إضفاء الطابع السلمي عليها رغم أن جميع المعتصمين كانوا مسلحين. وضربت المليشيا الحوثية طوقاً بهذه الاعتصامات على صنعاء وأسست ساحة اعتصام مسلحة أيضاً داخل العاصمة، تمهيداً لاقتحامها وهو ما فعلته في سبتمبر 2014، ثم تنكرت لكل اتفاقات الشراكة السياسية مع الأحزاب وانقلبت على السلطة الشرعية. فما الذي فعلته أمريكا وبريطانيا آنذاك؟ سحبت سفارتيهما وحثت بقية الدول على سحب سفرائها، وحينما شكلت السعودية والإمارات تحالفاً عربيا لكبح جماح المليشيا، كانت واشنطن ولندن مهتمتين بالاتفاق النووي الإيراني أكثر من اهتمامها بمصالح شركائهما في المنطقة العربية المهددة من قبل ذراع جديدة لإيران. ولأسباب حاولت الدولتان الكبيرتان تغطيتها بالدبلوماسية، قامتا بإعاقة الكثير من العمليات العسكرية للتحالف العربي والحكومة الشرعية ضد الحوثيين، ولعل أبرز تلك الإعاقات كانت معركة تحرير الحديدة.

بعد عشر سنوات من الحرب على هذه المليشيا التي اقتنعت إدارة بايدن الديمقراطية أنها إرهابية، أعادت واشنطن تصنيفها كذلك، رغم الفارق في فئة التصنيف بين تصنيف إدارة ترامب الجمهوري وهذا التصنيف المخفف الذي ينص أيضاً على أنه يمكن أن يُرفع إذا أوقفت المليشيا الحوثية هجماتها على سفن النقل البحري المرتبطة بإسرائيل في البحار اليمنية. لكن المليشيا الحوثية لم تعدم وسيلة للتضليل هذه المرة أيضاً، بل إن مبررها هذه المرة يتجاوز الحدود اليمنية إلى القضية الفلسطينية، قضية العرب جميعا، وهي اليوم تزايد على الدول العربية كلها بأنها هي الحامي الوحيد للقضية الفلسطينية، وأن الآخرين إما خونة أو متواطئون مع الاحتلال الإسرائيلي.

أبعاد التصنيف وهجمات الردع

الكثير من المحللين السياسيين والمراقبين للشأن اليمني قللوا من أهمية الضربات الأمريكية البريطانية على مواقع الحوثيين التي تحتوي على أسلحة وقدرات عسكرية تهدد الملاحة البحرية. ورغم الترحيب الذي قوبل به التصنيف الأمريكي للحوثيين كجماعة إرهابية مجددا من قبل الأوساط الأمريكية والعربية وكذلك الحكومة الشرعية، إلا أن التحليلات تذهب باتجاه أن أمريكا لا تردع الحوثي بقدر ما تعمل على تقويته.

وتقول الخبيرة في الشأن اليمني بمركز صنعاء للدراسات ميساء شجاع الدين: إن الضربات الأمريكية البريطانية ستُعقد الوضع في المنطقة لعدة أسباب: أولًا، هي لن تردع الحوثيين عن شن هجماتهم في البحر الأحمر، بل على النقيض، قد تتوسع هجماتهم الآن لتستهدف القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة ولا سيما في البحرين. ثانيًا، رفض التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ربط الأحداث في البحر الأحمر بالحرب في غزة، لكن الواقع أن المسألتين مرتبطتان ببعضهما بشكل لا ينفصم. فالكراهية والغضب الإقليمي تجاه الولايات المتحدة نتيجة موقفها الداعم لإسرائيل في حرب الأخيرة على غزة بلغ مستوى غير مسبوق، وبالتالي سيعزز الهجوم العسكري المباشر ضد الحوثيين من شعبيتهم ونفوذهم. ثالثًا، تشكّل الغارات داخل اليمن عقبة أخرى أمام مساعي وقف الحرب الدائرة منذ تسع سنوات، وستؤجل إلى أجل غير مسمى الاتفاق السعودي-الحوثي المرتقب لوقف إطلاق النار بشكل دائم. هذا بحد ذاته يخدم الحملة الدعائية للحوثيين، ويعزز فرصهم لتجنيد المزيد من الأفراد إلى جانب توفير غطاء من الشرعية افتقرتها الجماعة منذ إبرام الهدنة في أبريل/نيسان 2022 والتي بموجبها توقفت الغارات السعودية وأفسحت المجال أمام تنامي المعارضة المحلية ضد الجماعة بسبب الفساد وسوء الإدارة تحت سلطتهم.

وتضيف: إن الولايات المتحدة "فقدت ثقة حلفاء لها في المنطقة كالسعودية، سواء بسبب موقفها الداعم لإسرائيل خلال حرب غزة أو بسبب تراجعها وتغيير موقفها إزاء التدخل السعودي في حرب اليمن"، مشيرة إلى أن السعوديين والإماراتيين لن ينسوا أن الولايات المتحدة أوقفت تحركهم العسكري لانتزاع الحديدة من يد الحوثيين عام 2018، وبالتالي، هذه الضربات الأمريكية ما هي سوى دليل آخر على سياسة أمريكية تفتقر لبُعد النظر بالنسبة للوضع في المنطقة، وخاصة في اليمن.

وفي الوقت الذي تدعو فيه الأطراف اليمنية المناهضة لمليشيا الحوثي إلى تحرك إقليمي ودولي ضد الجماعة، تمارس الأخيرة ابتزازها لهذه الأطراف ولدول المنطقة العربية بالقضية الفلسطينية. لكن لو استعادت واشنطن ولندن ثقة حلفائهما من الدول العربية، وخاصة السعودية والإمارات، ودعمت أو على الأقل لم تعترض على تحرك الأطراف اليمنية عسكريا ضد المليشيا، فيمكن أن تتغير المعادلة وتنكشف هذه الجماعة بشكل أكبر أمام الشعوب العربية وغيرها، ويبدو أن أي عمليات أو إجراءات أمريكية بريطانية ضد الحوثيين لن تستعيد ثقة الحلفاء العرب مرة أخرى ما لم تؤدِ إلى كسر شوكة الحوثيين واستعادة الدولة اليمنية المغدورة.