بين ما تحتاجه اليمن وما تريده أمريكا.. حوار الدوسري وفاجن أنموذجاً

تقارير - Saturday 08 June 2024 الساعة 09:06 am
المخا، نيوزيمن، خاص:

تلعب الولايات المتحدة الأمريكية دورا فاعلا في ملف الأزمات والحروب اليمنية منذ بداية الحرب الباردة أواخر أربعينيات القرن الماضي على أقل تقدير، وزاد هذا الدور فاعلية منذ إعلانها انتهاء الحرب الباردة الذي تزامن مع إعلان الوحدة اليمنية ودعم واشنطن لهذه الوحدة. 

ورغم أن الولايات المتحدة تعتبر من كبار الداعمين الدوليين لليمن، إلا أن سياستها تجاه الدولة الموحدة لم تحدث فرقا ملموسا في حلحلة آخر الأزمات السياسية التي أدت لاشتعال الحرب في العام 2014 بخروج مليشيا الحوثي -ذراع إيران في اليمن- من معقلها في محافظة صعدة، وانقلابها على السلطة الشرعية وشن حرب شاملة على جميع المحافظات اليمنية. وحتى خلال هذه الحرب المستمرة منذ 10 سنوات، لم تلمس الحكومة الشرعية التي اتخذت من عدن عاصمة بديلة لصنعاء، لم تلمس دعما سياسيا أمريكيا بحجم خطورة المليشيا الحوثية على اليمن وعلى المنطقة العربية بشكل عام، وعلى المصالح الأمريكية في المنطقة.

يرى مراقبون أن الـ10 سنوات الماضية من الحرب الحكومية المدعومة بالتحالف العربي ضد مليشيا الحوثي، أثبتت أن الولايات المتحدة ترسم سياستها تجاه اليمن بحسب ما تقتضيه مصالحها فقط وليس ما تقتضيه مصلحة اليمن والمنطقة العربية، وقد كان دعمها لإبرام اتفاق ستوكهولم وإيقاف معركة الحديدة، ثم تغاضيها عن خرق الحوثيين لهذا الاتفاق، من أكبر الأخطاء السياسية التي ارتكبتها في تعاملها مع المليشيا المدعومة من إيران، وبما تشكله الأخيرة من خطر كبير على المصالح الأمريكية وحلفائها الأوروبيين قبل اليمن والدول العربية. وفي نوفمبر الماضي رأت أمريكا الدليل الواضح على خطأ سياستها تجاه المليشيا الحوثية التي ما زالت تهاجم السفن التجارية، لكنها ما زالت تعتمد سياسة تكتيكية لم تحد من قدرة الحوثيين على تطوير الأسلحة والحصول عليها من إيران.

حوار الناشطة والسفير

في 28 مايو الماضي، عقد معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى منتدى سياسيا افتراضيا مع الباحثة والناشطة ندوى الدوسري والسفير الأمريكي لدى اليمن ستيفن فاجن الذي كان قبل تعيينه بهذا المنصب "مدير مكتب الشؤون الإيرانية في وزارة الخارجية الأمريكية". ويوضح الحوار بين الناشطة والسفير حجم الفجوة بين ما تحتاجه اليمن وما تريده أمريكا في البلاد. 

وسردت الدوسري احتياجات اليمنيين من إنهاء العنف ووجود حكومة فاعلة لاستعادة حياتهم الطبيعية، وطرق مفتوحة، وإمكانية السفر جواً، ورواتب يمكن الاعتماد عليها، والقدرة على العودة إلى ديارهم دون خوف من الاضطهاد. وأضافت إنه من الناحية المثالية، يمكن تحقيق ذلك من خلال حوار يجتمع بموجبه الحوثيون والأطراف اليمنية الأخرى للاتفاق على صيغة لتشارك السلطة، لكنها أكدت مع ذلك أن تعقيدات العالم الحقيقي أحبطت هذه السيناريوهات.

وتابعت الدوسري حديثها بالقول إن التاريخ يقدم أسباباً وافية للتشكيك في الحوار مع الحوثيين، الذين استغلوا المفاوضات منذ عام 2014 لعرقلة العملية وتعزيز مركزهم. فقد استغلوا ارتفاع أسعار السلع الأساسية، والانقسامات السياسية، والاتفاقيات الدولية لصالحهم، وأظهروا مراراً وتكراراً فطنتهم الاستراتيجية والتزامهم بأهدافهم طويلة الأمد. وأوردت مثالا على ذلك حين تم التوسط في "اتفاقية ستوكهولم" لعام 2018 من قبل الأمم المتحدة مع حصولها على دعم كبير من المجتمع الدولي، إلا أنها لم تؤدِ سوى إلى تشجيع الحوثيين، الذين أعادوا تجميع صفوفهم لاحقاً، واستولوا على ثلاث محافظات حيوية، وبدأوا بتهديد محافظة مأرب، آخر معقل للحكومة في شمال البلاد.

واستعرضت الباحثة في معهد الشرق الأوسط أمام السفير الأمريكي لدى اليمن وعدد من راسمي السياسة الأمريكية، كيف تقود الجماعة الحوثية أيديولوجية تمتد إلى ما هو أبعد من اليمن، حيث تعتبر مهمتها جزءاً من حركة جهادية أوسع نطاقاً، تهدف إلى تحويل البلاد إلى معسكر تجنيد لجيش جهادي عالمي. وقد حوّلت هذه الأيديولوجية، المدعومة من إيران، الحوثيين إلى قوة هائلة، قادرة على التفوق استراتيجياً على خصومها واستغلال كل فرصة لتعزيز أجندتها.

وأوصت الدوسري أنه يتعيّن على صنّاع السياسات أن يستعدّوا للسيناريو الأسوأ في اليمن، مبدية أسفها أن النتيجة الأكثر ترجيحاً ل"خارطة الطريق" الحالية التي تدعمها الأمم المتحدة تتمثل في تصاعد العنف، وأنه من المرجح أن يستغل الحوثيون الاختراق في العملية ليزدادوا قوة ويسيطروا على أجزاء إضافية من اليمن.

كما أوصت بناءً على ذلك، بأن تدريب قوات الحكومة اليمنية وتجهيزها ودعمها يُعتبر ضرورياً لمنع الحوثيين من توسيع سيطرتهم، وأنه يجب على الأطراف المهتمة أيضاً معالجة الخلافات الداخلية للحكومة وتعزيز التعاون بين القوى السياسية المختلفة، بما في ذلك الدعم الاقتصادي وتحسين الخدمات والبنية التحتية لتحقيق الاستقرار في البلاد، لا سيما في مناطق مثل عدن، حيث يؤدي انقطاع التيار الكهربائي وتردي الظروف المعيشية إلى تأجيج الاضطرابات. 

وتابعت بالقول: إن من الضروري الاستثمار في مستقبل اليمن لمنع المزيد من التدهور، حيث يمكن أن يساهم توسيع التعاون الإقليمي في تحسين الوضع بشكل كبير، وأنه ينبغي على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة العمل معاً لتقوية القوات اليمنية وضمان استعدادها لمواجهة أي تصعيد حوثي محتمل. 

ما تريده أمريكا

بالمقابل رد السفير الأمريكي ستيفن فاجن على مداخلة الباحثة الدوسري بالقول، إن الوضع النهائي المثالي لليمن يتمثل بدولة تنعم بالسلام وتتقدم نحو التنمية الاقتصادية المستدامة، دون أن تشكل تهديداً للمنطقة أو المجتمع الدولي. ومضى فاجن يعدد ما يعتبره إنجازا للدبلوماسية الأمريكية في اليمن، من خلال الحفاظ على الهدنة وكسر حلقة الهجمات العسكرية والغارات الجوية للتحالف داخل اليمن، ووضع حد لجميع هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيّرة ضد دول الخليج خلال العامين الماضيين. 

وردا على دعم القوات الحكومية لمواجهة أي تصعيد حوثي محتمل، قال فاجن: إن الولايات المتحدة لا تدعم عودة أي طرف إلى الحرب، مدركةً أنه لا يوجد حل عسكري. وذهب السفير أبعد من ذلك إلى القول إن المجتمع الدولي يدرك أن الحوثيين سيظلون عنصراً سياسياً، مما يجعل من الضروري السعي إلى تسوية سياسية شاملة نحو التنمية المستدامة والسلام. ومن المرجح أن تتضمن هذه التسوية ترتيباً سياسياً انتقالياً يؤدي إلى عملية انتخابية للمصادقة على الاتفاق النهائي.

ويشير هذا الموقف السياسي لأمريكا على لسان سفيرها في اليمن إلى أن أمريكا ما زالت تأمل في خوض مفاوضات سياسية مع المليشيا الحوثية رغم موقف مجلس القيادة الرئاسي والأطراف الممثلة فيه من التفاوض مع مليشيا لا تقيم للالتزامات الأخلاقية والسياسية أي وزن. ومع أن مداخلة الباحثة الدوسري شملت الكثير من التحذيرات التي يطلقها نشطاء وباحثون يمنيون وعرب من عدم جدية مليشيا الحوثي في تعاملها مع مساعي السلام، إلا أن السفير فاجن اعتبر أن الهجمات الحوثية المستمرة على السفن التجارية تسلط الضوء "على الحاجة الملحة لتسهيل عملية السلام"، وزيادة قوات الحماية الدولية لسفن الشحن التجاري في البحرين الأحمر والعربي، ويبدو أن هذا ما تريده أمريكا أكثر من القضاء على مليشيا الحوثي أو كسر شوكتها على الأقل لإجبارها على القبول بسلام عادل ونزع سلاحها الذي لم يعد يهدد عملية السلام فقط، بل أصبح يهدد المصالح الدولية ودول الإقليم.