عبدالفتاح الصناعي

عبدالفتاح الصناعي

تابعنى على

تعاسة الأيديولوجيا ولعنة التاريخ

Wednesday 04 July 2018 الساعة 07:33 pm

العقل الديني التراثي، على المستوى العربي والاسلامي، الذي ينتقي من تاريخه الأمراض الفكرية والصراعات التاريخية البائسة والمراحل الأكثر تخلفاً، فيصنع منها أيديولوجيا يعتقد أنه يتعبد الله بها ويريد تغيير حال أمته متجاهلاً مآسي هذا الفكر باجترار كل هذه الأمراض والمراحل التاريخية وأحداثها وأمراضها وصراعاتها، بكل مبالغات وغض الطرف عن أي مراجعة أو قراءة علمية وموضوعية لتلك الأحداث، وإنما توظيفها السياسي الخاطئ، والقفز بها من كونها أحداثا سياسية وصراعا بشريا نسب الحق والباطل فيها هي نسبية ومتفاوتة، إلى جعلها صراعات دينية مقدسة وغرسها لأتباعهم على أنها عقيدة ودين وأحد ثوابت الأمة.

يعد كل هذا النبش بالماضي واجترار صراعاته وعقده ومآسيه، إضافة إلى أمور أخرى فرضها واقع الحياة.. هي المرتكزات الجوهرية التي تقوم عليها جماعات الإسلام السياسي، بشقيه السني والشيعي، وباختلافه سواء تلك التي تتخذ من العنف مبدأً واضحاً، أو تلك التي ترواغ بين الديمقراطية والعنف وتمزج بينهما.

هذه الجماعات تقوم مبدئيا على سلسلة من أمراض فكرية معقدة ومتشابكة؛ وبالتالي يكون تأثيرها الكارثي على الوقع، فهي إضافة إلى تغليفها امراضا باسم الدين، فهي أيضا ترتكب جرما كبيرا آخر في حق بيئتها العربية، في تبعيتعها للدول الإقليمية التي تتخذ هذه الجماعات أجندة لها، تتجاهل جماعاتنا بيئتها العربية وخصوصية أمتها، وتنغمس في تجربة الآخر وأفكاره التي لاتنبطق ولا تتوافق مع البيئة العربية وخصوصياتها وواقعها وتراكماتها.

مثلاً ثورة الخميني وعلاقتها بالحلم الفارسي القديم، الذي سيطر في مرحلة معينة.. وأصبح هوسا سياسيا دينيا، غلف بثورة الخميني، وتتبعهم جماعات عربية دينية، متطرفة وارهابية، كحزب الله والحوثيين.

المسمى بالخلافة العثمانية أو الاحتلال العثماني بالأصح، وارتباط هذا التفكير بحزب العدالة والتمنية التركي، ويتبعهم الاخوان المسلمون.

وخلاصة فإن كلاً من: الحلم الفارسي القديم، تحت غطاء الفتنة الطائفية المسماة بالثورة واولمينية. الامبراطورية العثمانية أو الخلافة الإسلامية قناعات متبلدة وأمراض فكرية وتاريخية مغروسة ومؤثرة بقوة في الأيديولوجية الاسلاموية الحديثة التي أنتجتها إيران وتركيا ، ممثلا بالعدالة والتمنية، المتفاخرين بالقلب العثمانيين الجدد، وثورة الخميني، والأمبراطوية الفارسية وتاريخ سيطرتها عربيا وفكرها الطائفي، وكل هذا يعد تراجعا بالتفكير للوراء، بينما الأصل تجاوز كل هذا والتقدم للأمام بنقد الأحداث التاريخية.

تطور الغرب لأنه امتلك الشجاعة والجرأة لنقد تاريخه والاعتراف بأخطائه، وليس إعادة نبشها والتفاخر بها، وجعلها أيديولوجيات دينية للسيطرة، وبالتالي استطاع صنع حياة جديدة وخلق تطورات الحياة الهائلة، بينما نحن كأمة إسلامية نقدس أمراضنا ونجعلها ثوابت ودينا وأحلاما قادمة وأماني ننتظر توقعها.. وفي الأخير فإن هذه الأمراض والقناعات المتخلفة، لن تنتج غير التراجع والإرهاب.

جماعاتنا الدينية السياسية والعادية، التي تنظر بالقداسة الكامل لكل جهود الصحابة والفاتحين الإسلاميين المتمثل بحالة التوسع السياسي وفرض السيطرة والنفوذ على الأمم، وإلغاء عنها الصفة البشرية، التي تجعل من الرسالة الإنسانية والقيمية التي قمنا بها نحو الأمم الأخرى، في مرحلة من أشد مراحلها ظلاما وتخلفا رسالة موضوعية واضحة وجلية، الاعتراف بأخطاء طبيعية رافقتها لها واقعها وظروفها التاريخية التي ينبغي وضع الاعتبار لها، لا وضع هالة القداسة المبالغ بها وتبرير ديني للأخطاء التي غدت اليوم واضحة وجلية.

يعد كل هذا، هو أزمة الأمم المتخلفة، وأزمة الجماعات التراثية، في اجترار أمراض واطماع تاريخية وتغليفها دينيا.

يعد واقعنا العربي نسبيا، الأفضل على المستوى الإسلامي، لايمكننا الادعاء بأننا تجاوزنا هذه الأزمة، وخرجنا من دائرة هذه المتاهات بشكل نهائي، ولكن لدينا محالاوت وتراكمات وتجارب سائرة في هذه الطريق، بحيث أنها قدمت جهودا جبارة لسبر أغوار هذه القضايا.

إن انتصارنا على الصراع الإقليمي الذي تشنه علينا إيران وتركيا، الذي تسيطر على هذه الدول جماعات دينية وارهابية، تدافع عن الأمراض الفكرية بالفكر الإسلامي ومراحله البائسه وتتبلد بمواقف عمياء خلف أحداث تاريخية، وتخلط بين الصراعات القومية والطموحات السياسية وبالدين تغلف هذا، وتتبعها جماعات دينية ارتضت بأن تكون أداة بيد الآخر لمحاربة أمتها.

لن يكون الانتصار إلا بتحقيقنا أكبر قدر ممكن من المراجعات للقضايا الفكرية وامراضها والصراعات التاريخية ومتاهاتها، فنكون حقا متقدمين عليهم كأمم في الإصلاحات الفكرية والسياسية، ومنتقلين إلى آفاق المستقبل بدون اجترار للأمراض والصراعات التاريخية.