استهدف الحوثيون تل أبيب بطائرة مسيّرة متفجرة وصلت إلى هدفها، مما يُعد عملية نوعية على عدة مستويات. أبرزها القدرة على الوصول وضرب العاصمة الفعلية والمناطق السكنية، مما يعكس انعدام الأمن فيها، ونحن نعرف جيدًا مدى قوة الأمن الإسرائيلي. كما أن هذه الضربة جاءت ردًا على التصعيد الإسرائيلي ضد حزب الله في جنوب لبنان، وتم تنفيذها عبر الحوثيين تعزيزًا لمبدأ وحدة الساحات. ولكن في نفس الوقت، الحوثيون قتلوا أبناء شعبهم. السؤال المطروح هو: لماذا انتظر الحوثيون كل هذه الفترة خلال الحرب على غزة ولم يقتلوا إسرائيليًا واحدًا، والآن أرسلوا مسيرة يافا لضرب تل أبيب؟
التكامل في المواجهة بالنسبة إلى الإيرانيين وحزب الله، فإن ما يتكرس في هذه الحرب أو المواجهة المفتوحة هو معادلة واضحة: انتهى الزمن الذي كانت فيه إسرائيل تعمل عسكريًا بحرية تامة دون أن تكون مكبّلة أو خاضعة لضربة مضادة. ومن المؤكد أن من يُقْدِم على مثل هذه الضربة يأخذ في الحسبان ردود الأفعال، ولا بد أن يكون قد حضّر مسبقًا المزيد من الأهداف وسيناريوهات متعددة للتعامل مع التطورات والردود. اللافت أن العملية تأتي بعد سلسلة اجتماعات لقوى محور المقاومة، بحثت فيها كل السيناريوهات المحتملة والتكامل في المواجهة لمنع إسرائيل من شن حرب على حزب الله في لبنان.
الدور الروسي، هناك معلومات غير مؤكدة تفيد بأن روسيا دخلت على خط توفير دعم عسكري وصاروخي للحوثيين، مع إبقاء ذلك سريًا لعدم استفزاز الأميركيين أكثر. ولكن ذلك يندرج في سياق لعب الروس دورًا أساسيًا في مواجهة أميركا.
النفوذ الحوثي (الإيراني) لا يمكن استسهال ما يقوم به الحوثيون، فهدف الانخراط في هذه المعركة له أبعاد متعددة. إلى جانب تكريس وحدة الساحات، هناك هدف آخر يتعلق بتكريس النفوذ الحوثي على البحر الأحمر ومضيق باب المندب، والتأثير على مسار الملاحة العالمية. وبذلك تكون طهران قد كرّست دورها بين البحرين الأحمر والأبيض المتوسط. كما أنها ستكون قادرة من خلال الحوثيين على إبقاء الأمن القومي الخليجي والسعودي في حالة تهديد دائمة. ذلك يذكِّر بما أعلنه وزير الخارجية الإيراني بالإنابة، علي باقري كني، عن أن طهران تكرس نفوذها وتنتظر من الأميركيين الاعتراف به وبحصتها على مستوى المنطقة.
الرسائل الإيرانية لعملية تل أبيب أيضًا وظيفة أخرى، هي توجيه رسالة واضحة من المحور الإيراني لتعزيز الردع، والقول للأميركيين والإسرائيليين إن طهران وحلفاءها قادرون على قلب الطاولة على مستوى المنطقة في حال واصلت إسرائيل تصعيدها وسعت إلى فتح جبهة جديدة ضد حزب الله في لبنان. وهي رسالة موجهة بقوة للأميركيين عشية توجه نتنياهو إلى واشنطن للحصول على دعم، وكأن المحور يحذر الأميركيين من مخاطر إعطاء ضوء أخضر لرئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يصفه الإيرانيون، وتحديدًا الحرس الثوري الإيراني، بأنه فقد عقله ويمكن أن يقدم على فعل أي شيء. بينما في المقابل، هناك من يعتبر أن نتنياهو يسعى للحصول على دعم الجمهوريين والديمقراطيين خلال زيارته إلى أميركا لتنفيذ ضربات أوسع في لبنان.
لذلك، فإن المعادلة المراد تحقيقها من خلال عملية تل أبيب مفادها أن إيران لا يمكن أن تقبل بتوسيع العمليات ضد حزب الله، وإلا فإن الحرب لن تبقى محصورة وستسري على المنطقة ككل.