مستشفى الثورة بتعز.. إرث الصين وتاريخ اليسار وعبث الإخوان

السياسية - Tuesday 26 February 2019 الساعة 08:48 pm
تعز، نيوزيمن، عماد طربوش:

لم يكن اقتحام مستشفى الثورة بتعز، ليلة أمس، هو الأول، ولن يكون الأخير.. حيث شهد هذا الصرح الطبي العتيق اقتحامات وهجمات متعددة تقترب من ال 50 اعتداءً وهجوماً وقصفاً، تتقاسم مليشيات الحوثي ومجاميع الإصلاح المسؤولية، وهذا ليس خافياً على أحد في تعز.

مؤخراً.. صعّد الإصلاح للإطاحة بمدير المستشفى رئيس الهيئة أحمد أنعم، جراح العظام الناصري الشهير، واستخدم الإصلاح كل ما يستطيع فعله للوصول إلى غايته المنشودة بالسيطرة على هذه القلعة الطبية التي اقترب عمرها من نصف قرن من الزمان.

مستشفى الثورة بُني في منتصف سبعينات القرن العشرين بتمويل من دولة الصين، وتم رفده بفرق طبية صينية وكورية وأوروبية متعددة حتى تشكل فريق طبي يمني رائد من منتصف الثمانينات، ووصل بالمستشفى ليشكل أهم مركز طبي في اليمن..

يقول أحد الأطباء القدامى في المستشفى لنيوزيمن، إن المرضى كانوا يأتون إلى مستشفى الثورة بتعز من كل اليمن وحتى من مناطق سعودية كنجران وعسير، وإن الرئيس عبد ربه منصور هادي كان يعالج والدته في مستشفى الثورة بتعز، وكان -حينها- في التسعينات وزيراً للدفاع، كما يتحدث هذا الطبيب.

الثورة في تعز لم يكن مستشفى فقط، بل كان مركزاً سياسياً هاماً لليسار في تعز، حيث عاد شباب اليسار الذين عاشوا في تعز فترة الزخم الاشتراكي الناصري البعثي، عادوا من الخارج بشهادات طبية إلى مستشفى الثورة في تعز ليشكل بطاقمه شعلة من العطاء والإنجاز، مع توافر إمكانات جيدة، حينها، حيث كانت أفضل الأجهزة الطبية تتوافر في الثورة تعز بفضل الدعم الصيني.

وإبان حرب صيف 94م جعل الأمن السياسي في تعز مستشفى الثورة وطاقمه الطبي اليمني هدفاً لحملة شرسة اقتادت كثيراً من أطباء تعز وكوادر اليسار الفاعلة إلى سجون الأمن السياسي في مقره المتربع على قلعة فسيحة أعلى مقبرة الأجينات أكبر مقابر تعز وأقدمها.

من حينها بدأ المستشفى يفقد تدريجياً ألقه المعجون بروح المهنة والتوق إلى تقديم خدمات إنسانية لشريحة كبيرة في اليمن.. حيث كان الاشتراكيون أو من ينتمون للحزب يعتبرون الثورة واجهة لهم، ليظهروا من خلاله نجاحهم الإداري، وصورة براقة عن اليسار في عاصمة اليسار والمشاريع الثورية تعز.

كان الأطباء أو القطاع الصحي في تعز تحت سيطرة اليسار بأفرعه الثلاثة: ناصرية اشتراكية بعثية، وكان الإخوان من بعد حرب صيف 94م لهم هدف وتوجه يسعون من خلاله إلى تقزيم حضور اليسار ومناهضة هذا الحضور في القطاع الصحي بكل الوسائل، ومن ذلكم التاريخ وإصلاح تعز يركض خلف ابتلاع القطاع الصحي في تعز.

ذهب أغلب أطباء اليسار إلى مشاريع طبية وتعليمية ودراسات عليا، وبقي الإصلاح ينحت لكي يقضم الكعكة الدسمة سياسياً ومالياً، فشيد مشاريع طبية خاصة، وبدأ بروجاً حتى لأطباء محسوبين على الإخوان كنماذج ناجحة وتوجيه عناصر الإصلاح إلى أطباء ومشافٍ خاصة مملوكة للحزب وقطاعه الصحي ووقعت حتى اتفاقيات بين نقابة المعلمين ومختبرات صحية ومشافٍ من أجل السيطرة على النشاط الصحي.

من بداية عام 2000م عاد أغلب أطباء اليسار بشهادات عليا ومنهم من استقر في عيادته أو عمل في جامعات يمنية مدرساً، وتشتت هذا التيار الفاعل سياسياً ومهنياً، والذي كان يشكل صورة مشرقة من صور النجاح والتنوع في تعز.. وللعلم يعد هذا الجيل هو الجيل الذهبي لتعز.

يعلم الإصلاح أن من يسيطر على مستشفى الثورة بتعز هو رأس الحربة في الصراع مع المشاريع الحزبية الصحية للإصلاح، فنجاح مستشفى الثورة يعني نجاح بقية مشافي تعز، وفشل المستشفيات الخاصة المملوكة للإخوان في المحافظة، إضافة إلى ذلك المستشفى، يشكل ثروة مالية ووظيفية يمكن استثماره لأغراض سياسية، لذلك يتنمر الإصلاح كثيراً إما لإفشال المستشفى، كما هو حال المستشفى الجمهوري، أو السيطرة عليه واستثماره لصالح الحزب وقطاعه الصحي.

وحين بدأ الهلال الأحمر الإماراتي ومركز الملك سلمان التعامل مع مستشفى الثورة وإلغاء التعاقدات مع مستشفيات الإصلاح لعلاج جرحى الحرب، اشتدت وطأة المعركة للإطاحة بالدكتور أحمد أنعم، وتعيين طبيب إصلاحي بديلاً عنه.

الدكتور أنعم، جراح شهير وناجح وبإمكانه العمل في مستشفيات كبيرة خارج اليمن أو مواصلة عمله في عيادته حيث ما زال يعالج مرضاه في العيادة الخاصة به.. لكنه عمل بجهد كبير لانتشال المستشفى من تحت ركام الحرب وأعاده إلى الحياة، وبدأ تدريجياً العودة به إلى مهمته رغم أنه لا يستلم ميزانية تشغيلية منذ تم تعيينه، وفرض رسوماً بسيطة على العمليات الكبيرة لمواجهة احتياجات تشغيل أقسام المشفى.

لا يترك الإصلاح لمن يعتقد أنهم خصومه أي بقعة يمكن أن يتنفسوا منها.. كما لن يسمح بعودة النجاح الذي صنعه جيل تعز الاشتراكي في مستشفى الثورة.. لذلك ستتواصل الحرب على أنعم حتى إقالته أو تطفيشه، فالإصلاح يتكئ على شرعية يستخدمها كمخرز يضعه في عين من يريد. جيش الإصلاح سيختلق كل يوم معركة داخل مستشفى الثورة، ولن تنتهي المعارك ما دام هناك ناصري على رأس مستشفى الثورة بتعز.