اليسار شمالاً.. من حِمَى أبو لحوم إلى حِمَى بيت الأحمر

السياسية - Wednesday 03 April 2019 الساعة 12:01 pm
المخا، نيوزيمن، خاص:

إلى رفاق وأمميي الأمس قرويي اليوم!!
عار على الهامات أن تتحوّل إلى أذناب!

حمود العودي

إذا ما تجاوزنا أشقاء العصبية في رضاعة النهب والعنف والفساد بالأمس في قمة السلطة وأعداء اليوم -من أجل اختصار مجموعهم في واحد أو استبدال واحدٍ بواحد لا أقل ولا أكثر- إلى الكيانات السياسية الأهم من قوى الحداثة والمعاصرة في المشهد الوطني منذ ما قبل الوحدة وحتى الآن من يمين ويسار ووسط، أو بتعبير أوضح من الاشتراكيين والقوميين والإسلاميين، وقصتهم مع بعضهم ومع غيرهم من الأخوة الأعداء، بدءاً من عداوة "كفرة ومسلمي" الأمس؛ لأمكننا قراءة هذه القصة بوضوح وبشفافية تامة وبهدف استخلاص الموعظة لمصلحة الجميع وبالمختصر المفيد على النحو الآتي:

أولاً: خمسة نوفمبر 67م وبداية العدّ التنازلي

إن القوميين والاشتراكيين، وهم المكون الأساس لتيار الحداثة في اليمن وغير اليمن في الوطن العربي، والمتغير السياسي الأول والمستقل لقيام الثورة في الشمال، وتحقيق الاستقلال في الجنوب في مواجهة القوى الرجعية والاستعمارية، غير أن قوى الحداثة والثورة هذه قد افتقدت زمام المبادرة الثورية والوطنية المستقل الذي انطلقت منه وتأسست عليه وانتصرت به للثورة والجمهورية في شمال الوطن والاستقلال في جنوبه، أو بدأت بافتقاده على الأقل بدءاً من حركة الخامس من نوفمبر 1967م حينما تحالفت أجنحة البعض منهم من البعثيين مع القوى القبلية والتقليدية بقيادة القاضي الارياني رغبة في إقصاء الأجنحة القومية الأخرى لحركة القوميين العرب والناصريين والانفراد بالتحالف مع القوى التقليدية وبقايا القبيلة كتكتيك مؤقت، على الأقل، في نظرتهم الضيقة والقاصرة، إلا أن هذه القوى التقليدية كانت هي أكثر ذكاءً وأبعد نظرة منهم، لأنها كانت تعي ما يُراد لها كمطية لغيرها فنجحت فيما هو عكسه لصالحها وحدها، لأنها نجحت في تحويل أول ثغرة مميتة في جسد الحداثة القومية والوطنية الغض -والتي أصاب بها نفسه- إلى منطلق لجعل هذا الجسد يتآكل ويتعفن من داخله ويقوم هو نفسه بتصفية بعضه البعض، حيث ما كادت أجنحة البعث المنتصرة في انقلاب نوفمبر 1967م تنتهي من قراءة البيان الأول بلسان الأستاذ العزيز المناضل يحيى الشامي وتكشف أوراق وملفات رفاق الدرب القومي من الحركيين والناصريين حتى وجدت ملفات المنتمين إليها قد سبقت إلى طاولة بطش وتنكيل القوى القبلية والتقليدية بهم، والتي ظنوها مطية لغايتهم المفترضة قصيرة النظر، فصاروا على العكس من ذلك هم المطية الفعلية لمصالحها هي، وبدأ تمدد سلطتها ومشروعها القبلي "المصطنع" واللاقومي واللاوطني حتى اليوم، وليرحم الله المناضل الكبير والشهيد الحي سلطان القرشي ورفاقه، فقد كانوا هم أول ضحايا البحث الخاطئ عن المستقبل في مستنقعات الماضي المتخلف.

وبذلك بدأ تحول تيار الحداثة القومي والوطني من متغير مستقل إلى متغير تابع، ومن موضع الرأس إلى موضع الذَنَب بالنسبة إلى القوى التقليدية وبقايا القبيلة "المصطنعة" بعد الخامس من نوفمبر في شمال الوطن، بدءاً من (حِمى) القاضي الإرياني، رحمه الله، وبيت أبو لحوم، وحتى (حِمى) بيت الأحمر وعسكرهم في السلطة والمعارضة حتى اليوم.

هذا إذا ما استثنينا فترة الشهيد الحمدي، رحمه الله، بسنواتها الثلاث (يونيو 1974م – أكتوبر 1978م) تقريباً، والتي مرت كسحابة صيف حاول معها الحمدي استعادة معادلة الثورة والجمهورية والحداثة ومشروع الدولة المدنية كمتغير رئيسي وبقايا القبيلة وعسكرها كمتغير ثانوي أو تابع، إلا أن حسم المواجهة الدموية البشعة لنهاية الحمدي كانت قد وضعت سداً منيعاً يحول دون إمكانية استعادة المعادلة إلى نصابها حتى اليوم.

ودون أن تفوتنا هنا الإشارة كذلك إلى حركة الخامس عشر من أكتوبر 1978م التي تصدى الناصريون "للانقضاض" من خلالها على السلطة بمفردهم وبذات الطريقة الانقلابية الأحادية وبمعزل عن شراكة قوى الحداثة الوطنية الأخرى، وقد دُفنت (الحركة) في مهدها ببشاعة أقسى، ودُفن معها خيرة شباب الحداثة اليمنية وأنبلهم، وعلى رأسهم الشهيد "النظيف" عيسى محمد سيف، رحمه الله.. فهلاّ نتعلم اليوم من هذه الدروس القديمة/ الجديدة ونحن على مفترق طرق! ونعي بأن قانون الجَدَل وسنّة الله في كون الطبيعة والمجتمع هو أن يلغي جديد الأشياء قديمها أو يغيرها! وأن الاستسلام لها أو المراهنة عليها في تغيير نفسها أو التغيير بها هو تعطيل لسنة الحياة؟ بل وفساد في الأرض عملاً بقول الخالق عز وجل: [وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ] هذا من جهة، وأن من حفر لأخيه حفرة أوقعه الله فيها، و"من دَوَّرُه كله فاته كله" من جهة أخرى، و(أن المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه ورفاقه) من جهة ثالثة، والعاقل من اتَّعظ بغيره، فهل تعقل القوى الصاعدة اليوم من أدعياء الحق الإلهي بتياريه (السُّني) و(الشِّيعي)؟!
هذا ما نرجوه.