انتهت 94م بغنيمة قبيلة الشمال وعسكرها ودراويشها للجنوب وشعبه بعد الشمال

السياسية - Sunday 07 April 2019 الساعة 10:08 pm
عدن، نيوزيمن:

ثانياً: (13) يناير 86م والانتحار "العظيم"

د. حمود العودي

اقرأ مفتتح النقاش بقلم الدكتور في الحلقة الأول: 
 اليسار شمالاً.. من حِمَى أبو لحوم إلى حِمَى بيت الأحمر 

لم يكن وضع ونهاية قوى الحداثة القومية والوطنية والتقدمية في جنوب الوطن ليختلف كثيراً عن شماله قبل الوحدة إلا من حيث الموعد الزمني المتأخر نسبياً لتنازل قوى الحداثة عن دورها الثوري والوطني كمتغير مستقل، وتحولها إلى متغير تابع لقوى التخلف، بدءاً من أحداث "الانتحار العظيم" في 13 يناير 1986م وما بعدها، حينما تكفلت قوى الحداثة نفسها بتصفية بعضها البعض دموياً دونما تكليف أو مشاركة من أحد!! وحينما ألقت بمبادئ وشعارات الوطنية والقومية، بل والأممية والإنسانية العظيمة، عرض الحائط، وراحت تستميت في استنهاض مشاعر المناطقية والقروية من عقلها الباطن في عمليه انتحار عظيم، لينتهي الأمر بعد خراب مالطة بالتحاق (الزمرة) منها ببقايا القوى القبلية والسلاطينية من ضحاياها القدامى بالأمس داخل وخارج حدود اليمن، وتهرب الطغمة بعد حين إلى "حِمى" هجين القبيلة الحاكمة وعسكرها في صنعاء عام 1990م تحت شعار (الوحدة) الذي كان ولم يزل يرى فيها الشعب اليمني وشرفاء أبنائه أعظم أهدافه وأغلى أمانيه وأعظم إنجازاته التاريخية، في حين لم يكُ يرى فيها بقايا هجين القبيلة الحاكمة وعسكرها في صنعاء ولا (مسخ القبيلة الجديدة) القادمة من عدن أكثر من مجرد كلمة باطل يراد بها ما هو "أبطل"! أو مجرد هروب من أزمة وتكتيك لمعركة غنيمة أي من الطرفين للآخر، وذلك هو ما برهنت عليه كارثة حرب 1994م التي انتهت بغنيمة قبيلة الشمال وعسكرها ودراويشها لأهل الجنوب وشعبه، بجانب أهل الشمال وأرضه، وذهاب "مسخ قبيلة الجنوب الجديدة" من أمميي الأمس بعد ذلك إلى ما هو أبعد من قبلية وقروية ما "قبل الأمس"، بدءاً من دعاوى الانفصال وفك الارتباط، واستحضار أمراء وسلاطين الأمس، أو تقمص عقلياتهم وشخصياتهم على الأقل، وحتى الاستنجاد بكل "عفونات ومخلفات الماضي الاستعماري والسلاطيني".

وتحول الكثير والكثير من رفاق وأمميي الأمس بذلك إلى ما هو أصغر من ذيول المناطقية والقروية المتخلفة مع الأسف الشديد، و(من يهن يسهل الهوان عليه).

ولقد وجدت سلطة "الفاتحين" المنتصرة على الوحدة في حرب 94 باسم الوحدة في خطاب الهوان هذا الذي سبق الحرب ورافقها وتلاها، والذي كان وما يزال يردده الكثيرون من أمميي الأمس قرويي اليوم، أهم وأغلى ما تمنته وما تتجاوز أهميته بالنسبة لها مغانم الفيد نفسه من أرض وعرض وكرامة الإنسان وحقوقه في الجنوب كما في الشمال، لأن هذا الخطاب العقيم قد منح (الفاتحين القدماء) أفضل غطاء لستر عورات فسادها من جهة، وأقوى حجة وأفتك معول لهدم وتقويض ما تبقى من ثوابت الحداثة الوطنية والتقدمية في الثورة والوحدة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وبوادر الدولة المدنية الحديثة على امتداد الوطن كله، والعمل بدلاً عن ذلك على تجذير فلسفة دولة القبيلة أو "قَبْيَلة" الدولة عبثاً، بدلاً من "دَيْوَلة" ما تبقى من القبيلة المتورمة سياسياً والمنقرضة اجتماعياً، ليس آخرها تعيين شيخ مشايخ عدن (التركي) بعد أكثر من 200 سنة من عمر الحداثة والمدنية في هذه المدينة اليمنية بالذات والعزيزة على نفس كل يمني، وبعد نصف قرن من الثورة والجمهورية والوحدة، والأسوأ والأخطر من كل ذلك هو أنه لا مانع من أن يتم كل ذلك تحت شعار الوحدة "المفقودة" و"الشرعية المعدومة" ومحاربة القاعدة "الوهمية"، ككلمات حق يراد بها باطل، والغاية تبرر الوسيلة، تماماً كما هي أكذوبة الصمود والمواجهة المزعومة تجاه إسرائيل وأمريكا.

فهلاّ استعدتم رشدكم يا رفاق وأمميي الأمس وقرويي اليوم، وهل تتذكرون بأن شعار وحدة اليمن ونضالكم وتضحياتكم من أجلها بدءاً بالتحرير وتوحيد أكثر من عشرين سلطنة وإمارة، ومشيخة في جنوب الوطن عام 1967م وانتهاءً بوحدة شمال الوطن وجنوبه عام 1990م هو ما جعل منكم رموزاً تاريخية لشعبكم وقوة سياسية ووطنية وقومية كان يحسب لها ألف حساب على مستوى الجزيرة والخليج، بل والوطن العربي والعالم، وأن السقوط في الاتجاه العكسي لم يكن إلا دعماً لسلطة "الفيد والفساد" قبل وبعد الوحدة، ونهاية لكل من يصر على المضي فيه، ولن نقول لكم في الأخير كما قال أبو طالب لأبرهة "لي إبلي وللكعبة ربٌ يحميها"، بل نقول لكم وللجميع إن للوحدة القائمة والمنشودة أرضاً وإنساناً عدالة ومساواة ومدنية شعب يحتفظ بها في أعماق وجدانه وضميره.
وحدتنا نحن كشعب بكامل شروطها وحقوقها لا وحدتكم الصفقة أو الغنيمة قط.