كانت الرغبة جامحة لاستعادة بريق صنعاء وجعلها واحدة من أجمل المدن الحديثة بعد أن كانت الأقدم على مستوى العالم، وكان بعض أمنائها قد بدأوا العمل على إبرازها نظيفة بمظهر جميل وتحديدا صنعاء القديمة.
مرت السنوات ولم يقرر المختصون بعد كيفية بلوغ شرف تحويل المدينة إلى أثر جميل وأنيق، يتحدث عنه الجميع دون استثناء.
قرر خبراء التجميل والجراحين إجراء عمليتين في آن واحد، عملية قلب مفتوح لتوسعة شرايين المدينة وتغيير المتصلب منها؛ كي يتدفق الدم بسهولة إلى باقي الجسد، بالتزامن مع عملية تجميل دقيقة، تتناسب مع تاريخها العريق والعتيق وحضورها البهي، خاصة الجزء الواقع في صنعاء القديمة، منطقة الطبري، مستشفى الشرطة، باب شعوب، باب السبح، مجمع الدفاع حتى حوض دار الرئاسة، فكان مشروع السائلة العظمى.
تمت العمليتان بالتوازي مع عمل قنوات تصريف مياه أرضية بطول 120 كيلو مترا، تنقل المياه القادمة من الجبال والأودية والمتدفقة من السدود إلى الشرايين الرئيسية، من أجل الحفاظ على زخم المدينة ورونقها، واسمها الذي لمع قبل ولادة الرجعيين المتشيعين للتخلف والجهل والأمية بعدة قرون.
ولعل أبرز قنوات مجاري السيول قناة الدائري الصافية، قنوات شارع الحرية وشارع تونس ومحيطهما، التحرير وحي إذاعة صنعاء والعدل، قنوات جامعة صنعاء مغلقة ومفتوحة، سواد حنش جوار الفرقة الأولى مدرع. إضافة إلى قنوات الجهة الجنوبية، الأصبحي ومناطق حدة و14 أكتوبر والرئاسة ومنطقة شعوب وحي شميلة والقادسية وشارع خولان.
جميع تلك القنوات والمجاري تحتاج إلى صيانة دورية لضمان جودة عملها أثناء مواسم الأمطار من مخلفات القمامة من خلال 10 إلى 15 عشر عاملا، بدل الدعوة إلى تدمير البنى التحتية؛ إلى جانب عمل توعية للحد من رمي المخلفات في مجاري السيول والشوارع وفرض غرامات على المخالفين.
خلال الثلاثة عقود الأخيرة تحولت السائلة من مستنقع لرمي المخلفات وتوجيه قنوات الصرف الصحي وانتشار البعوض والحشرات والقوارض بأنواعها والتي تسببت بعشرات الأمراض والأوبئة للسكان إلى نهر تجري منه مياه الأمطار لتشكل لوحة جميلة خاصة في الجزء الواقع في صنعاء القديمة والتي كانت الدافع الأول للبدء بهذا العمل من أجل الحفاظ على تراث أصبح ملكا للعالم وليس لليمنيين وحدهم.
يعد مشروع السائلة العظمى من أهم المشاريع الحيوية الناجحة التي أبرزت مفاتن مدينة جثمت على صدرها جماعة مليئة بالحقد أدت إلى تصلب شرايينها وكان لا بد من إجراء عملية قلب مفتوحة كي تعود لها الحياة.
اليوم هناك من يدعو لاقتلاع أحجار السائلة وإعادتها كما كانت ترابية قبل أربعة عقود بحجة تغذية الآبار داخل المدينة والتي جفت نتيجة الاستهلاك المرتفع وتزايد السكان في السنوات الأخيرة. إضافة إلى أنها آبار لم تكن عميقة بشكل كاف حتى تصمد أمام تناقص المياه في حوض صنعاء عموما ولا علاقة لأحجار السائلة بذلك.
والغريب أن الدعوة تأتي من قيادات مليشاوية تتهم أن المشروع تنفيذ أمريكي وأن الأمريكان لا يريدون خيرا لصنعاء، حسب زعمهم، وأنها مجرد مؤامرة غربية من أجل أن تظل المدينة بدون مياه.
هكذا هي عقلية المليشيا المدعومة من نظام إيران والتي تسيطر على معظم جغرافية الشمال وتتعامل مع المواطن ومؤسسات الدولة بهذه الطريقة وهذا الفكر الجاهل.