عبدالله الصعفاني
يا سبحان الله عليكم.. غادروا الفجور..!
دعونا من التشكيك أو التأكيد بأننا ما نزال أهل إيمان وأهل فقه وحكمة بعد الذي فعلناه ونفعله بوطن كان ثم هان.. على من.. على أبنائه قبل أعدائه.
* لنسلم فقط بأننا لسنا حالة مستعصية ضمن كيانات بشرية احتربت وسالت دماؤها، لكنها "تذكرت القربى فسالت دموعها" ثم اهتدت إلى حلول، فكان الفرَج وكان الفرح.
* لسنا بدعاً من الشعوب، وليس في خلافنا وأزماتنا واحترابنا ما يتفرَّد أو يختلف على ما شهدته شعوب حدث لها ما هو أكبر وأخطر، لكنها لملمت الشعث وتجاوزت الأحزان، وقررت أن تكون شيئاً مذكوراً، فابتسم لها طائر السعد وتجاوزت جراحها بتحكيم العقل.
* رواندا مثلا.. عاشت صراعاً طاحناً ونزفت شلالات دم بين قبائل الهوتو والتتسي، لكنهم في الأخير غلَّبوا منطق السلام والتنمية.. وها هم اليوم يواصلون ما بدأوه من مهمة بناء دولة محترمة لم تستسلم لأوجاع الحرب في جميع تداعياتها.
* حتى الحظر على ملاعبها لم يستمر كما يحدث عندنا. حيث صارت ملاعب السعودية هي الملاعب التي تلعب فرق اليمن منافساتها كبديل عن ملاعب اليمن المحظورة.. مؤسف.
أما رواندا فقد غادرت هذه المشكلة، بل وجعلت الاتحاد الدولي لكرة القدم نفسه يختار رواندا مكانا مفضلا لاجتماعات الفيفا الأخيرة.
* بالتقليد والمحاكاة يستطيع صانعو البؤس والأحزان اليمنيون داخل اليمن وكنتونات التمزيق والهجرة والشتات أن يستفيدوا من العبر والدروس التي تؤكد بأن أي طرف سياسي لن ينجح في أطماع التفرد بمصائر شعب تمتد ملايينه الثلاثين من صعدة إلى المهرة، وأن ما يمكن أن نصل إليه بعد أن نكون قد نزفنا كل شيء وأضعنا فيه كل شيء يمكن تحقيقه، ليس بعد أن نكون فقدنا بلداً طالما تفاخر العرب من المحيط الهادر إلى الخليج الفاتر بانتمائهم إليه.
* وليس أفضل من تجليات رمضان والعيد وكارثة تزاحم شهداء الفقر والاستهتار لتسريع الخطى نحو اتفاق رأينا ملامح بداياته ولكن بحذر الخائف من أن يقوم من النوم مذعورا.
* تفاءل الكثيرون بصورة تفاهم بين أبرز المتصارعين في إقليم الغرب الآسيوي السعودية وإيران، حيث ألفت حروبهما الباردة بظلالها الكئيبة على الشعب اليمني الفقير تحديدا فكان ما كان ويكون من العدوان والاحتراب والحصار والفقر والجوع والكنتونات التي فصلت بين العائلات اليمنية عن بعضها بأسباب مختلفة، أقلها بؤساً ما يحتاجه المواطنون للانتقال إلى تعز مثلا إلا عن طريق رأس الرجاء الصالح..!
* اجعلوا من التقارب الابتدائي بين صنعاء والرياض والحديث عن بنود إنسانية وتبادل أسرى الحرب الملعونة بداية جادة وغير استهلاكية لتقارب حقيقي يغادر فيه الشعب اليمني كل هذا الاختناق في العناوين والتفاصيل.. ويترجم فيه قول حكيم "إذا أردت فقد بدأت..".
* تخلصوا من الذاكرة الذبابية المفقودة، وغباء السمكة التي تصر على التهام الطُّعم حتى تقع... افعلوا شيئا تنتصرون فيه للأمل من اليأس، وللحياة من الموت، وللقاء الأهل من القطيعة، وللقناعة من الأطماع.
* ويا ألف سبحان الله عليكم جميعا إن لم تتأثروا بمذبحة العشرات من الذين غادروا الحياة بعد تزاحم الفقر واستهتار التنظيم والتحامات عدم الإحساس بالأمان الذي يقود حتى المستورين للبحث عن أي شيء حتى لو كان ثمنه إزهاق أرواح تحت أقدام المتكدسين في كتل من الزحام.
ويا للجروح الغائرة التي لم تسمح لأولياء الموتى والمصابين حتى بالتعبير عن أوجاعهم خوفا من معايرة قائل.. كل هذا من أجل هذه المبالغ التافهة.
* يا سبحان الله.. لم يؤثر فيكم موت دكتورة جامعية حسرة على زوجها المعتقل وابنها المتوفى هناك في البعيد..؟
* ما أقسى أن لا يتمكن شاب من العودة إلى مدينته لتشييع والده المتوفى أو لا يتمكن أب من حضور زفاف ابنته لأنه محسوب على هذا الطرف أو ذاك..!
أي دين.. أي وطنية.. وأي إنسانية في الإبقاء على الصراع ومحفزاته لتكثر أعداد اليمنيين المطوبرين والمتزاحمين على صدقة تاجر أو لفتة منظمة، فضلا عن ما نشاهده من التسول في المساجد والأرصفة والأسواق..؟
* أرجوكم.. غادروا الفجور.. اتفقوا.. على الأقل من منظور أن كثيركم ما يزال يتعشم في دخول الجنة غير مدركين بأن ما يصنعونه باليمن وناسه الضحايا سيذهب بكل أحلامهم في الآخرة حسرات.
* ولعل مثل هذا التذكير ينفع من يمتثلون كوننا مأمورين بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر.
كل عام وانتم بخير.
نقلا عن موقع اليمني - الأميركي