كان الزعيم الأسبق علي سالم البيض الأكثر وفاءً وجدية للوحدة اليمنية (التي كانت جزءًا أساسيًا من مبادئ وأدبيات النظام الماركسي جنوبًا)، وهو نفسه الذي أعلن فك الارتباط، وسمى الدولة عام 1994 (جمهورية اليمن الديمقراطية) [حاذفًا من اسمها السابق "الشعبية"]، قال:
"تظل الوحدة اليمنية هدفًا أساسيًا تسعى الدولة بفضل التحالفات الوطنية الواسعة وتعزيز الوحدة الوطنية لإعادة الوحدة اليمنية على أسس ديمقراطية وسلمية".
علينا اليوم عدم التعصب والتطرف.
بلغة بسيطة علينا أن نقول الآتي:
إن الجمهورية اليمنية هي عبارة عن اتحاد دولتين معترف بهما في الأمم المتحدة، هما جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الجنوب) والجمهورية العربية اليمنية (الشمال)، وإن هذه الوحدة فشلت عمليًا باندلاع حرب صيف 1994.
لم تدم الوحدة اليمنية سوى أربع سنوات، ولم تكن كذلك أربع خالصات بل فيها ما فيها.
بعد إقصاء الشريك الجنوبي من الوحدة (الحزب الاشتراكي اليمني - الحزب القائد والموجه للمحافظات الجنوبية والشرقية حينها؛ أي الدولة الجنوبية برمتها) لصالح حزبي المؤتمر الشعبي العام (حزب الزعيم الأسبق علي عبدالله صالح) والتجمع اليمني للإصلاح (أكبر الأحزاب الإسلامية في اليمن والمقرب من نهج الإخوان المسلمين)، ولاحقًا فقط لصالح المؤتمر الشعبي العام، لم تعد هناك أي شراكة من التي قامت على أساسها هذه الوحدة.
والوحدة حالة من الحب والانسجام والاتفاق والتراضي.
ما الذي يريده المواطن اليمني جنوبًا وشمالًا؟
يريد دولة للمواطن لا لمراكز القوى والنفوذ. دولة توفر له الأمن والغذاء والصحة والعمل والإبداع.
المواطن لا يعبأ بأي شعارات برّاقة وأي وعود. ولا يثق حاليًا بأي من القوى والمكونات السياسية؛ لأنه طيلة العقود الماضية لم يجد غير الانقلابات والاضطرابات والحروب. غير أننا يمكن أن نتفاءل أن جديدًا ما سيكون هذه المرة.
تظل القضية الجنوبية مفتاح الحل لكل القضايا اليمنية. قضية سياسية حقوقية تمثل نصف المعادلة اليمنية. ومن يقرر حلها العادل النخبة السياسية الحالية، لكن بإنصاف، وبالعودة للشعب في الجنوب.
أضحى تقرير المصير حقًا حتميًا. وهذا الأخير يواجه إشكالات عميقة في المجتمع الجنوبي، خاصة والمرحلة الفاصلة منذ 1994 حتى الآن قاربت ثلاثة عقود؛ لأن السؤال هنا: من يحق له التصويت في تقرير المصير؟ وهذا سؤال حساس للغاية، يمس الهوية، وتحديدًا: من هو الجنوبي؟
فالجنوب تعداد سكاني لا يُذكر أمام الشمال، بنسبة واحد إلى عشرة، وقد حدث اختلاط عميق للغاية، والبديهي أن كل من وُلد في الجنوب هو جنوبي، غير أن الأمر زاد وطأة بانشقاقات النسيج الاجتماعي مؤخرًا والتدخل الجارف في الأصول والجينات.
كلام كثير يطول شرحه، وجزء منه حساس للغاية خاصة فيما يتعلق بالانتماء الجغرافي والتداخل الاجتماعي؛ ففي نهاية المطاف هناك شعرة فاصلة بين ما هو حق وبين الفرز الذي قد يحمل سمات الإلغاء عند مستوى ما. (الأمنيات أن تُعقد ندوات للمشاركة في النقاش على نطاق واسع نخبوي وشعبي؛ لإجلاء الصورة.)
على كل حال، هذا وطننا جميعًا، وهو جريح. والعنف لن يولد إلا المزيد من العنف. ومشكلتنا الأكبر والأنكى تكمن في الوعي، بدءًا بالوعي السياسي وصولًا إلى الوعي العام. الاستنارة بمختلف مستوياتها لا تزال تحبو.
والمهم أولًا أن يحظى اليمن بدولة، باستعادة الدولة، بأن يذهب الفرقاء اليمنيون إلى السلام، وإلى صيغة ما من الحل عند المستوي الاتحادي. سننتقل لاحقًا من الوحدة إلى الاتحاد. هذا الاتحاد يضمن فيدراليًا أن تدير الأقاليم نفسها بنفسها، لكن بارتباط اتحادي، على أن تكون الخطوة اللاحقة حق تقرير المصير للجنوب (المحافظات الجنوبية والشرقية).
ومن زاوية أخرى:
على المكونات المنضوية تحت التحالف الشرعي أن تدرك أنها أمام خطر حقيقي، يتوجب عليها أن تحسم خلافاتها قبل الذهاب إلى أي مشاورات مع الطرف الآخر.
عليها أن تقر بأن استمرار الانقلاب والحرب يتسببان يوميًا بخسائر فادحة في الأرواح والبنى التحتية، فيما يقود استنفاد موارد البلاد الاقتصادية لمضاعفة معاناة شعب اليمن في الشمال والجنوب لأجيال قادمة.
كما نعوّل جيدًا: التزام الأطراف بإيجاد تسوية متفاوض عليها على أساس إقامة نظام حكم ديمقراطي يعترف من ناحية بحق شعب جنوب اليمن في تقرير المصير وفقًا للقوانين والأعراف الدولية، مع تجسيد الاتحاد لعمل مؤسسي فاعل يجعل من أفق الفترة الراهنة أو الانتقالية مختلفة بعض الشيء؛ باعتبار المرحلة الماضية، على امتداد ثلاثة عقود، جاءت بموجب منعطف سياسي وشعبي عارم -لكم كان أملًا ضخمًا!- اغتاله تمامًا انقلاب النظام السابق في الشمال، ربما بقرار فردي يخص نخبته السياسية الحاكمة التي امتزجت بتوجه عسقبليني (عسكري قبلي ديني) متطرف إزاء الجنوب الذي لم يفهمه الشريك الآخر في الوحدة إلا بكونه غنيمة حرب.
وعلى المكونات جميعها شمالًا وجنوبًا أن ترسل تطمينات بشأن التزامها قيم العدالة والديمقراطية والحكم الرشيد واحترام الحقوق الأساسية وحريات الأفراد، والتنوع، وإطلاق كافة السجناء على مختلف الخلفيات السياسية وغيرها.
ماذا نريد من هذه الحياة؟ ومن هذا الوطن؟
- كرامة الإنسان أولًا، الدولة، وتلك العدالة الاجتماعية. وهذا ليس بمستحيل.
- الغد الأفضل ليس بمستحيل.
- ولا يشكل هذا الحديث أي ضرب من الخيال. بالأحرى جدًا أن نعزز هذا الخطاب وهذا المنطق مهما كانت التحديات.