هدم منازل الخصوم السياسيين على رؤوس ساكنينها وحتى إحراقها دون اكتراث ليست وليدة اللحظة التي رافقت الانقلاب المليشاوي على مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية، كما أنها ليست ظاهرة إجرامية من أفعال الحركة الحوثية أو من اختراعها كما يعتقد البعض، لا سيما الذين يصنفون جرائم الحركة الحوثية في هدم منازل اليمنيين بكونها ظاهرة إجرامية في حق الدين والأخلاق والأعراف لم يشهدها اليمنييون من قبل في تاريخهم السياسي.
هدم منازل الخصوم السياسيين وحتى المعارضين بالكلمة فقط وليس بالسلاح، هي فكرة إمامية سلالية تاريخية، مورست كمنهج عقابي في حق اليمنيين منذ أن تحولت دعوة الهادي بن الحسين الرسي إلى سلطة سياسية حاكمة في اليمن، وهي عقوبه وإن كانت حيوانية غير آدمية إلا أنها مورست حتى في حق أبناء المذهب الزيدي أنفسهم، ناهيك عن كونها عقوبة همجية مورست في حق يمنيين هاشميين من قبل سلطة الإمامة الهادوية، قبل أن يتحول شمال اليمن إلى نظام جمهوري مع ثورة الــ26 من سبتمبر 1962م.
ما أقدمت عليه الحركة الحوثية من تفجير للمنازل منذ انطلاقتها من محافظة صعدة نحو صنعاء حين أقدمت يومها على تفجير مساكن للمعارضين ولمشايخ للقبائل اليمنية الزيدية، واستمرارها في إنتاج رعب الحرب وتفجير المنازل حتى وصولها إلى مديرية مشرعة وحدنان محافظة تعز، وكذلك المحافظة حتى اليوم على عقوبة تفجير المنازل وهدمها في مناطق سيطرتها السياسية والعسكرية، كما حدث مؤخرا في تفجير المنازل على رؤوس ساكنيها في مديرية رداع محافظة البيضاء.
كل تلك الجرائم كانت وما تزال حتى اليوم لا تعكس حاجة الحركة الحوثية لمسألة بث الرعب المصاحب لحروبها العسكرية في سبيل الاستيلاء على مقاليد السلطة فحسب، بل تعكس رغبة الحركة الحوثية في إحياء ثقافة العقوبة التاريخية التي كانت تمارسها الإمامة السلالية (كسلطة سياسية) في حق اليمنيين، لا سيما وأن مسألة هدم المنازل كعقوبة رادعة للمواطنين تنسجم مع مشروع الحركة الذي يهدف إلى العودة بالمجتمع اليمني إلى زمن ما قبل سلطة الدولة الوطنية الديمقراطية، وإلى ثقافة ما قبل المواطنة المتساوية والحريات السياسية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.
من يقرأ كتاب «دولة الهادي وفكره» للباحث الكبير د. على محمد زيد، سوف يقف على جزء من التاريخ الإجرامي الكبير والمروع للإمامة الهادوية، ممثلة بالإمام عبد الله بن حمزة الذي قاد حروبه الضروسة ضد فرقة المطرفية الزيدية وكيف أقدم على هدم ديور هؤلاء الزيود اليمنيين وحوزاتهم وأحرقها على رؤوس ساكنيها.
حدث ذلك خلال الحروب التي شنتها فرقه المخترعة الهادوية بقيادة إمام السلالة المتطرف عبد الله بن حمزة ضد فرقة المطرفية التي كان على رأسها مطرف بن شهاب الهمداني، والسبب في ذلك أن المطرفية لم تؤمن بمسألة الاستحقاق السلالي في تولي منصب الإمامة الزيدية، بل جعلت منصب الإمامة حقا لمن هو كفوا لها من خارج السلالة.
التاريخ لا يعيد نفسه، لكن الحركة الحوثية وحدها تعيد إنتاج ثقافة الأئمة السلاليين فيما يتعلق بعقاب اليمنيين الذي يتجاوز الدين والأخلاق والأعراف والتقاليد وحتى النخوة، لاسيما عند هؤلاء الأئمة الذين لا يرون أن هناك حرمات وحدودا إنسانية تستوجب وقوف كائن من كان عند حدودها، خصوصاً مع مقولة إمامهم الأكبر القائلة في تبرير استحقاقه للسلطة السياسية «الناس صنايع لنا » يقصد لبني هاشم.
مقولة « الناس صنايع لنا » كفيلة بحد ذاتها بأن تنتج ثقافة الاستعلاء السلالي والهمجية الإمامية تجاه الإنسان وكرامته في اليمن، ذلك ما نجدها في رد الإمام عبد الله بن حمزة على سؤال أحد الناصحين أو الجلساء الذي سأل الإمام إذا كان الله سوف يحاسبه على أخذه أموال الرعية؟
فأجابه الإمام بكل ثقة أخاف أن يحاسبني الله على ما أبقيته لهم!