تحوّل وعيد إيران بالرد على ما تفعله بها إسرائيل إلى موضع سخرية في محيطها.
تتعامل إيران بحذر شديد وهي تجر إليها فريستها (العربية) شيئا فشيئا. ولن تتهور في خوض حرب تقضم منها ما ربحت عبر العقود الماضية من نفوذ وبناء أذرع إقليمية ما دون الدولة وبأيديولوجية لا وطنية ومطيعة شديدة الولاء والإخلاص للفكر الخميني.
في نهاية المطاف تؤكد إيران قدرتها على التأثير، بل والنفوذ على المياه الأدفأ في البحرين العربي والأحمر وصولا إلى مساحات واسعة في المحيط الهندي. كما ارتقى الحوثي مرتبة في تبعيته لإيران وسيتحول إلى الذراع الإقليمية الأهم للنظام الإيراني في المنطقة متجاوزا مركزية حزب الله أو الفصائل العراقية.
بقي للحوثي خطوة واحدة وهي إبرام اتفاقية سلام وفق الصيغة السعودية ليؤمن خط اتصال مادي ومعنوي مباشر مع إيران عبر توسيع وجهات الطيران من وإلى صنعاء. وبهذا سيكون مدينا أقل لخدمات سلطنة عمان الدبلوماسية واللوجستية وأقل خضوعا لطلباتها في دورها الوسيط بينه وبين القوى الإقليمية الدولية.
سيكون من الممكن جدا -على غرار الوضع في سوريا- إقامة قواعد عسكرية إيرانية في اليمن وتوسعة قدرة غرفة العملية لدى الحوثي وستصل إلى صنعاء تقنيات تسليح حديثة ويستقدم خبراء وكفاءات عسكرية أعلى.
لا مجال لكبح جماح إيران أو الحوثي في الوقت الراهن. فلا أمريكا تريد خوض حرب ولا ينتظر عاقل من إسرائيل أن تنقذ المنطقة خاصة وهي نفسها في أسوأ لحظاتها الأمنية تاريخياً.
كما أن السعودية التي قادت تحالفا عسكريا عربيا قد عزفت كليا عن خوض معارك عسكرية لتأمين أمنها القومي أو القيام بدور أمني إقليمي يتطلب الصبر والمثابرة واتخاذ قرارات صعبة والمغامرة بالسكينة واحتمال نزق الحلفاء واحترام رغباتهم وعدم المساس بمدارات نفوذهم محلياً.
على ضوء المتغيرات هذه أتصور أن النتيجة ستكون على النحو التالي:
أولا: فقدان خيار السلام قدرته على التهدئة وإفشاء السلام واستعادة الدولة ومعالجة آثار الحرب في اليمن.
السلام في هذه الظرفية وبهذه الشروط الموضوعية يعني أن يبتلع الحوثي الشرعية اليمنية ويكتسب شرعية فعل وقانون إقليمية ودولية دون التنازل عن طابعه الطائفي وعنفه الرمزي والمادي بحق اليمنيين.
هذا يقتضي من الحكومة الشرعية أن تتحسب لأوقات أصعب، لأن الغطاء السعودي الإماراتي سينزاح عنها تدريجيا، لكن الضغوط الخليجية للقبول بالمعادلة الجديدة لن تتخفف عليها. لذا على الحكومة اليمنية تصميم مسافة آمنة من حليفيها الإقليميين في القرار. عليها أن تفعل جهدها حتى لا تنهار مؤسساتها الأمنية والعسكرية أو ينفرط عقد الوحدات العسكرية المتعددة إلى درجة غياب الانسجام في مواجهة وشيكة مع الحوثي.
بمعنى آخر على الحكومة أن تتدرب لأن تقول لا في الوقت المناسب وبالصيغة الواضحة والمناسبة. وأن تتدرب على خوض معارك ميدانية شرسة بلا غطاء التحالف.
ثانياً: ستفقد عُمان دورها المحوري كوسيط يحافظ على مصالحه وستكتشف أنها لم تؤمّن لنفسها وجودا في خارطة المحاور الجديدة ولن تستطيع البقاء على مسافة من كل الأطراف لفترة طويلة.
طمع الحوثي في دور إقليمي سيكون على حساب دول الخليج وسلطنة عمان دون استثناء.
ثالثاً: أياً كانت نتائج الحرب على غزة، في اليوم التالي من توقف الحرب، ستنكمش قدرات إسرائيل السياسية ويتقلص دورها الإقليمي، إذ لا معنى لها بعد تكون إيران قد ثبتت هيمنتها دون المساس بإسرائيل. ثم إن همجية إسرائيل في غزة تعيق أي دور أو مكانة مستقبلية لها مع الأنظمة المحيطة. لا إغراء تكنولوجي أمني ولا أهمية اقتصادية. لقد خلقت إسرائيل كل شروط نبذها إقليميا بنفسها.
رابعاً: التوسع الإقليمي الإيراني لن يكون على حساب القوى الإقليمية العربية فهذه لم تضع نفسها في المعادلة بالأساس إنما سيكون وبشكل مفاجئ على حساب التطلع الإمبراطوري الهندي سيما وعين إيران على المحيط الهندي الذي ترى الهند أنها أحق به لطالما اتخذ تسميته منها.
ستدخل الهند مربع التنافس والصراع مع إيران في مرحلة تالية وستجد في إسرائيل شريكا مغرياً لطابعه المستنفَر أمنياً وقومياً. دون تغيير إعجازي في هذه المعادلة، لن تكون الدول العربية منخرطة في هذا الصراع إلا بقدر ما هي لقمة سائغة لقوى إقليمية تحركها تصوراتها التاريخية المؤسطرة كالهند وإيران.
من صفحة الكاتب على إكس