منذ أيام والجماعة الحوثية تتوعد المخا وتهيئ النفوس للحرب.
يبدأ الحديث باغتيال معنوي لهذه المدينة/ الميناء/ القاعدة العسكرية لقوات طارق صالح باتهامها باستقبال عملاء للموساد وعلى لسان أحد دعاة الحرب في الجماعة حسين العزي.
تبدو العملية مساراً خطياً: تعبئة نفسية واغتيال معنوي للمكان والإنسان المقصودين، التهرب من استحقاقات سياسية لا يمكن التعويل على حدوثها إلا ممن يرفضون الصدق مع أنفسهم ويتهربون من مواجهة هذا الواقع الموحش الظالم. ثم تكون الغزوة الفاجرة.
كلما اكتسبت المخا مشروعاً خدمياً زاد غضب الحوثيين عليها. قصفوا الميناء ومعدات المحطة الكهربائية قبل أعوام. قصفوا معدات شق طريق المخا -مدينة تعز عبر الكدحة.
وما إن ظهر مطار تشغيلي في المدينة يمكن أن يقدّم خدمة لقرابة عشرة ملايين مواطن علت التهديدات الحوثية.
ما تزال مدينة المخا في ذهنية هذه الجماعة منفذاً للتهريب وتسميم البلاد بالمبيدات والألغام والأسلحة.
ليست المخا درة التاج الجمهوري. طارق ابن اللحظة وابن المقادير. واللحظة الآن جمهورية ذات قيم مساواة وعدالة في مقابل كهنوت واسترقاق باسم القداسة. وقد قرر طارق وجنوده، بالانتقال من معسكر إلى معسكر، ان يكونوا في صف الجمهورية.
وما طارق إلا فرد من آلاف من كل اليمن في المخا عرفوا الطريق المشترك لنجاة اليمن.
حاول الحوثيون الاستفراد بمأرب طيلة السنوات الماضية. لكن مأرب كانت اليمن كله ودافع عنها اليمنيون من كل مكان.
تتوجه بوصلة الحوثي نحو المخا هذه المرة والأعذار جاهزة منذ زمن. هي موجود في الملازم. لكن المخا اليوم هي الجمهورية وفيها كل اليمنيين.
الحقد التاريخي والمذهبي والجغرافي يعمي أبصار هذه الجماعة التي تتجاهل انه لولا ميناء المخا ما استطاع الأئمة أن يخلقوا دولتهم في اليمن في العهد القاسمي بعد أن بقوا جماعة شاردة تطاردها الجغرافيا اليمنية لقرون.
بفضل البن وميناء المخا خرجت الدولة القاسمية من الجبال نحو اليمن الكبير.
لكن الإمامة كانت أصغر من هذا اليمن.
الشره نحو النهب والاستهتار بالمعاملات الدولية ينتهي باستجلاب الخراب والاستعمار.
فبعد انسحاب الأتراك من حملتهم الأولى قفز أحد الأئمة إلى الواجهة ثم جاء بعده القاسم بن محمد مؤسس الدولة القاسمية ثم اسماعيل بن القاسم المعروف بالمتوكل على الله اسماعيل صاحب "ارشاد السامع في جواز أخذ أموال الشوافع".
في تلك الفترة ازدهرت تجارة البن من المخا بالتنافس بين الفرنسيين والهولنديين فذهب الفرنسيون إلى عقد صفقة مع عامل المنطقة لشراء المحصول بالكامل بأموال طائلة دفعت معظمها مقدماً لقطع الطريق على الهولنديين.
في عام 1737 سيّر الفرنسيون حملتهم التجارية/ العسكرية الثانية على ميناء المخا وكانت دوافعهم حينها لضمان الاستحواذ على البن اليمني في وجه المنافسة الهولندية وايضًا بسبب تراجع من طرف السلطات الامامية عن الالتزام باتفاقية أبرمت في الحملة التجارية الأولى وما حصل عليه الفرنسيون من امتيازات توقف عن الوفاء بها الحاكم المحلي حينها على اعتبار أن الاتفاق جائر في نظر سلطة الإمام.
تقول الحكاية إنه عند موعد التسليم جاء الفرنسيون فلم يجدوا العامل ولا المحصول ليعودوا بحملة محدودة سيطروا خلالها لفترة وجيزة على المخا وأحدثوا فيها دمارا هائلا لكنهم لم يستطيعوا البقاء فيها نظرا لافتقادها لمقومات العيش فيها، فذهبوا للسيطرة على الصومال ثم تأسيس حضورهم في جيبوتي.
تستطرد الحكاية في أنه كان عامل المنطقة قد فر بالأموال إلى آنس حيث كانت عاصمة لفترة معينة وتم تداول الأموال الفرنسية المنهوبة للمرة الأولى فيما عرف بالريال الفرانصي التي هي في الأساس العملة المعروفة آنذاك بريال ماريا تريزا.
ترد تفاصيل الحملة الفرنسية في الوثائق الفرنسية التي اشتغل عليها ترجمة وتحقيقا كل من الدكتور عبد الغني الحاجبي في كتاب بعنوان "الحملة الفرنسية على ميناء المخا" وكتاب للدكتور حميد عمر بعنوان "اليمن في الذاكرة الفرنسية".
بالعودة إلى المخا الآن، فإن طبول الحرب تقرع. وضربة الحوثي ستكون قاصمة وليس أمام قوات المخا إلا أمران:
إما الرد والاشتباك وطي صفحة الهدنة الهشة والانتقال إلى مربع المواجهة التي يريدها الحوثي والتي أصبح لا مفر منها.
أو استيعاب الصدمة والحفاظ على الوضع المرسوم اقليميا ودوليا مع خسارة الصورة العامة والدور المأمول من قوات طارق. بالتالي خسارة الدور والمكانة في إطار التحالف الرئاسي وفي خارطة القوى المحلية المناهضة للحوثي.
يريد الحوثي إنزال قوات طارق من الموقع الذي اعتلته في المعادلة السياسية اليمنية ويريد اختبار هذه القوة وما اكتسبته من قدرات عسكرية وتنظيمية.
عمليا، الحياة السياسية والعسكرية لطارق هي على محك اختبار التعامل مع الهجوم الحوثي الوشيك.
من صفحة الكاتب على إكس