بُثت موخراً مقابلة الرئيس العليمي مع ثلاثة إعلاميين مصريين وأثارت جدلاً صاخباً ما يزال يتواصل في أوساط اليمنيين حول بروز حب آل البيت في ثنايا المقابلة.
استنفرت الكلمة الإسلامويين اليمنيين أكثر من الأقيال والعلمانيين أو أنها على الأرجح كشفت أمرين:
أولاً، احتقان اجتماعي عضال بسبب هذه الحرب التي باتت تطغى عليها الابعاد المذهبية والطائفية على الصراع السياسي الصرف.
ثانياً، أن مكونات المجتمع اليمني غير متسقة مع نفسها فلا الاقيال اقيال ولا الإسلاميين إسلاميين ولا وجود لعلمانيين في البلاد قاعدة تفاعلهم هي الأفكار العقلانية الوضعية.
ما لا شك فيه أن ظهور هذه الجملة كان ظهورا شاذاً جداً ولوهلة وغير متسق مع قُطر الخطاب السياسي لقناة عربية وجمهوري عربي ومصري يتناول تعقيدات الشأن اليمني وموقع الحكومة الشرعية من الأحداث ودورها وما يُنتظر منها.
كانت الأسئلة مُحاصِرة وجريئة وحادة في تشخيص المشكلة المتمثلة باحتراب وعجز عن ادارة التحديات واعتماد كلي على المعونات الخارجية وتهتك للدولة اليمنية امام جماعة شرسة ممسكة للشعب اليمني من تلابيبه وتقارن بحاضر ومستقبل اليمن من اجل مصالح قوة اقليمية هي ايران.
في رأيي، المقابلة بمجملها انها جيدة كونها تخاطب جمهورا غير يمني وتضعه امام صورة الاحداث في اليمن بأقل الشروح والإيضاحات. وهي ايضا تكرس حضور الجمهورية والصوت الرسمي اليمني بعد غياب طويل بل وتنتزع اليمن من مخالب الحوثي في المخيّلة العربية خصوصا بعد ادعاءات تدخله لصالح غزة والشعبية التي اكتسبها ليصبح هو اليمن في اذهان الناس.
احاول فهم كيف انبثقت كلمة حب آل البيت في الحديث وأتوقع ان التطرق لهذه المفردة كان استدراكاً لحديث جرى قبل المقابلة. ولا مبرر لحضورها في المقابلة إلا إذا اتصلت بما قبل في اطار التعامل مع الذهنية المصرية وربما الإسلامية بصفة عامة وموقفها من حب آل البيت كتدين شعبي خال من الابعاد السياسية كما هو الحال في مصر التي زالت عنها دولة التشيع وبقي التشيع الشعبي لآل البيت.
بمعنى آخر أن الحديث كان مخاطبة لمتلق خارجي دون الالتفات لتفاوت الحساسية بين المتلقي المصري والمتلقي اليمني في فكرة حب آل البيت التي في دلالاتها التاريخية والسياسية اصبحت بمعايير الأمس قبل اليوم مقرفة للفكر وجارحة للضمير الإنساني ولا يسعى إلى تكريسها وتوظيفها سياسيا واجتماعيا إلا من هو مصاب بمرض نفسي ادعى له ان يتعالج من هذا الوسواس المرضي كجنون العظمة والخيالات المرضية الأخرى.
والحقيقة ان الصراع في اليمن يتجاوز الابعاد السياسية الصرفة إلى ضرورة فك الاشتباك بين الديني والسياسي بخصوص أحقية الحكم التي يدعيها ابناء علي بن ابي طالب من فاطمة ابنة النبي.
ولا مجال لفك هذا الاشتباك إلا بنسفه فقهياً وقانونياً وسياسياً وفكرياً واستخدام معايير الحوكمة والعدالة والعدل بمرجعيات دينية وانسانية تكرس مبدأ المواطنة المتساوية.
مصطلح آل البيت هو مفهوم ودالة مغروسان في الموروث الإسلامي وتشابكهما أكبر من حصره بين قوسي الصراع في اليمن. فهو تشابك يخص امة من مليار ونصف يتفاوت فيهم إيمانهم وممارساتهم الدينية. ولا يخرج منهم من هذا إلا النادر ولفترة ما.
لطبيعة هذا الاشتباك السام بين الديني والسياسي علينا ان ننظر إلى الجهود الفقهية ودورها في هذه المرحلة.
ودون مراء فان كل اطياف الإسلام السياسي ترفض القطيعة الكلية مع هذا الاشتباك وتحوم حوله وتداريه. وربما الجيل الثاني او اطياف هذا الجيل من تيارات الحركة الاسلامية (السنية) هي الأجرأ على الفصل في المسألة ونسف الاعتقاد بحب آل البيت ورفض اي تبعات سياسية او اجتماعية لهذا الحب. فالصوفية بكل اشكالها تراها عمود خيمتها والسلفيون يجتهدون لجعله من روافع ايمان الفرد.
اما الجيل الاول من رواد الحركة السلامية في اليمن فهم وان كانوا يرفضون الإمامة شكلا للحكم إلا انهم بقبلون بفكرة حب آل البيت حد ذهاب احد زعمائهم إلى اعادة تدوير مبدأ الخمس فقهيا بما يتسق والادعاء الحوثي.
لذا علينا ان نسأل انفسنا عن الجهود الدينية لتحرير الناس من تدين يقودهم في نهاية المطاف إلى التسليم بأفضلية البعض على البعض والإقرار بالولاء والحب لبشر دون بشر.
ثم النظر إلى جهود المثقفين في تعبئة ذخيرتهم الفكرية والفلسفية لتفكيك فكرة حب آل البيت وفق منظومة قيمية تستند على فلسفة حقوق الإنسان والمساواة.
وسياسيا فإن مناهضي الحوثي ينطلقون من منطلقات متباينة في صراعهم معه وبعضهم لا يلتفت إلى مسألة حب آل البيت كركيزة في هذا الصراع ويفندها.
والعيب في الخطاب السياسي هو تجاهله الاطر القانونية والمحددات الدستورية في التعامل مع فكرة كهذه تتعارض كليا وروح الدستور وقوانينه.
من صفحة الكاتب على إكس