خالد سلمان
الاختلال بين الشرعية والانتقالي.. ضرب تحت الحزام
الانتقالي والشرعية ضرب تحت الحزام، طرف يصرخ بصوت عالٍ من اختلالات في الشراكة، وطرف آخر في الشرعية يعمق هذا الاختلال، ويصِّدر أزمة إلى داخل المجلس الانتقالي بتحميله نصيبه من الفشل، بالقول نحن حكومة وأنتم شركاء لهذه الحكومة، وفي السياسة لا يمكن أن تكون الشيئين، معارضاً لحكومة فاسدة وناطقا بلسان حال الحكومة.
الواقع أن حسابات الحصاد لم تكن وفيرة لجهة شراكة الانتقالي في حكومة عنوانها الفشل، ومخرجاتها السياسية إضعاف الانتقالي والاقتطاع من جماهيره، بتدمير ثقة حواضنه في قدرة المجلس على السير بحنكة على خط رفيع، بين مشروعه الاستقلالي، ومشروع الدولة المركزية الممثلة في الشرعية، أو حتى مشروع الأقاليم الاتحادية الذي يراد له بحرفه أن يعيد توزيع الجنوب وإدماجه مع المحافظات الشمالية، ما يجعل مشروع استعادة الدولة شعاراً مفرغاً وغير واقعي وغير قابل للحياة.
لا يهم عناوين الخلاف الذي يتصدر المشهد، ويأخذ تفريعات تتصل بملف الخدمات، الحقيقة مكمن وجذر المشكلة أن هناك مشروعين يحتربان، حيناً بالسلاح وبمعارك السياسة حيناً آخر، وأن التعايش بينهما لا يعدو استراحة محارب ودورة اقتتال مؤجل، ما لم يفض هذا التنازع بتوافق حقيقي، يتصل بإقرار مسودة حل للقضية الجنوبية، والكف عن أخذ الناس رهينة صراع وتسجيل النقاط السياسية ضد الانتقالي من بوابة تعذيب المجتمع المحلي بالخدمات.
لغة شكوك انتقالية تسود داخله، من أن الشرعية لم تعد لديها قضية تحرير الشمال رئيسية، بل إعادة التموضع والتمترس جنوباً، وأن شياطا يفوح لرائحة طبخة سياسية تجري من وراء ظهره، ومن دون شراكته في صياغة تفاصيلها، ومن ثم طرحه في فوهة مدفع حقيقي: إما أن يتساوق مع النهج الإقليمي المحلي التصفوي لقضيته، أو يتصدى لضغوط ربما ذات أحمال عصية، لخياري التساوق والرفض نتائجه المُكلِفة، فالقبول يعني انفجار داخل جسم الانتقالي والتشكيك بكفاءة قياداته لجهة إدارة ملف القضية الجنوبية، والرفض يقوده حتماً إلى الصدام مع قوى إقليمية تمسك بخيوط الحرب والتسوية ومدعومة دولياً.
في موضوع الرهان الجنوبي على طرف إقليمي -الإمارات- والاطمئنان لها باعتبارها عمقاً داعماً إلى ما لا نهاية، هو الآخر مفتوح على خيبة محتملة، حيث مركز الثقل الإقليمي، والدولة المركزية القيادية التي تدير جميع الأطراف الخليجية الحاكمة، وتوزع حصص المصالح، هي السعودية ومهما تصادمت تلك المصالح في نقطة ما بين العاصمتين الرياض وأبوظبي، فإنهما في الأخير سيتفقان على تسويات وتوزيع مغانم الهيمنة على طرفي اليمن.
ليست هنا القضية، القضية الأخطر غياب الشفافية داخل المجلس الانتقالي مما ربما يضاعف مشاكله، وعدم مكاشفة ناسه بالصعوبات والتحديات والضغوط التي يتعرض لها، وتسويق ذات الخطاب المتفائل بلا حيثيات محدَّثة: خطاب لا شيء يبعث على القلق، وأن المسافة تتقلص بين اليوم وقريب استعادة الدولة الجنوبية على حدود ما قبل تسعين.
إدارة الملفات الكبرى بالصمت المطبق، دون قناة تسمح بقدر ولو محدودا من المكاشفة، عادة ما تسقط القيادات إن لم تدمر كل القضية.
أخطر ما في الصراع بين الانتقالي والشرعية، إنه يطيح بفرضية أو ضرورة توحيد الجهد، والبحث عن المشتركات ومواءمة مشاريع توافقية، للخلاص من العدو الجاثم بشبحه على صدر الجميع، خلاف يقود إلى إطلاق سراح يد الحوثي. وهي أساساً مُطلقة- لإنجاز صراعات الإنابة، بإضعاف خصمهما المشترك بمشروعه الجنوبي، والإعداد لتسوية ثنائية شرعية حوثية بينهما تحث مظلة إقليمية، منقوص منها الانتقالي.
ليس صحيحاً أن كل شيء على ما يرام بين الانتقالي والشرعية، فإن الصدام المكبوت بينهما يراد له أن يأخد في منحيين في ختام مآلاته: تدمير الانتقالي من داخله عبر بوابة تسويق فشله القيادي، والآخر استنزافه عبر طرف ثالث بمعارك الحوثي والإرهاب، بل وتفتيت وحدته الجغرافية ونسيجه الاجتماعي، بتفريخ الكيانات وخلق تكوينات عسكرية موازية، ورفع شعار متداول في الأروقة السرية:
دعهم يمرون نحوه ودعه يغرق، فالمصلحة واحدة: الهيمنة على الثروة والسلطة والقرار.
بالعودة إلى البدء فإن الحوثي هو الخطر الوجودي، التقارب لمواجهته أولوية، والتوافق على شكل حل القضية الجنوبية بوابة نصر في حالة الاتفاق، وحتمية هزيمة في حال تغليب الحروب والصراعات البينية.
في موضوع القفز على قضية جنوب لن يغرق الانتقالي لوحده، بل سيغرق معه سلام الداخل والإقليم والتسوية.
من صفحة الكاتب على اكس