عبدالجليل السعيد
ليت إيران تعاملنا كعرب كما تعامل إسرائيل!
أما وقد وضعت المواجهة بين إسرائيل وإيران أوزارها، وعاد كل شيء إلى ما كان عليه من قواعد اشتباك حددها ويشرف عليها البيت الأبيض، الذي لا يخفى على أحد تواصل كبار المسؤولين فيه مع طهران، باعتراف وزير خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان، لابد لنا أن نسأل: لماذا لا تتعامل إيران مع الدول العربية كما تتعامل مع إسرائيل؟
سؤالٌ بحد ذاته مثير وخطير، وللإجابة عنه يحتاج المرء لفهم طبيعة المواقف، وسياق الأحداث التي تعيشها المنطقة والعالم بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وما أعقبه من صراع دموي بين إسرائيل والفصائل المسلحة في غزة، بزعامة حماس وجناحها العسكري {كتائب عز الدين القسام}، التي تتوعدها تل أبيب بعملية عسكرية واسعة النطاق في مدينة رفح، آخر معاقل المسلحين في القطاع المنكوب، بحسب رواية الجيش الإسرائيلي.
أولاً: قصفت إسرائيل قنصلية إيران بدمشق مطلع شهر أبريل/نيسان، وقتلت قادة كبارا بالحرس الثوري الإيراني، دون أن يرف لنتنياهو جفن، لكن إيران في المقابل يصدق عليها المثل العربي الشهير {تمخض الجمل فولد فأراً} ، حين ردت بمسيرات غير مذخرة وصواريخ لا تحمل مواد منفجرة، أسقطها تحالف غربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، دون أن تجرح حتى جندياً إسرائيلياً، وتلك حقائق مثبتة لا تستطيع الماكينة الإعلامية للأيارنة إنكارها أو إثبات نقيضها.
ثانياً: في المقابل لم تبيت إسرائيل ردها على الرد، لكنها قفلت راجعة نحو استراتيجية عدم التبني الإعلامي، وأرسلت طائراتها العسكرية ذات التفوق الجوي المعهود، وقصفت العمق الإيراني في أصفهان تحديدا، ليلجأ نظام إيران إلى فتوى الصمت الاستراتيجي، وينكر ما حدث، دون السماح لأي صحفي أجنبي بالوصول إلى الأماكن المستهدفة، وهنا أسدل الأمريكي الستار على فصل من فصول المسرحية الكبرى، مكتفياً برسائل التفاهمات مع إيران، عبر السفارة السويسرية في طهران، بصفتها الممثل الدبلوماسي لمصالح واشنطن هناك، إبان ثورة الخميني عام 1979.
ثالثاً: كل شيء قامت وتقوم به إيران عبر مليشياتها المتأيرنة في المنطقة، أثر سلباً على الدول العربية بالدرجة الأولى، ففي لبنان تقوم مليشيات حزب الله بما تسميه {حرب إشغال ومساندة لجبهة غزة} ، بينما الواقع المؤلم يحدثك أيها القارئ الكريم، عن 250 ألف نازح لبناني من قرى وبلدات الجنوب، وخسائر اقتصادية بمئات ملايين الدولارات، وعجز حكومي كامل عن العمل من أجل إنقاذ لبنان، ناهيك عن سلاح إيراني غير شرعي منفلت، ومظاهر مسلحة بدأت تظهر في شمال لبنان، على يد الإخوان {الجماعة الإسلامية} حلفاء إيران ومليشيا حزب الله، ولعل آخر ذلك الاستعراض العسكري المستنكر في مدينة عكار قرب طرابلس.
رابعا: الحوثيون في اليمن ومن خلال قرصنتهم وعبثهم بأمر من إيران، ألحقوا الضرر الكبير بقناة السويس الاستراتيجية وبالتالي بجمهورية مصر العربية، فضلاً عن خسائر فادحة في موانئ الأردن والسعودية والسودان وغيرها، لتبقى إسرائيل في مأمن من ذلك كله، بعد اعتراف الحوثيين المتطرفين أنفسهم، بعدم استهداف أي سفينة روسية أو صينية، وعليه تستورد إسرائيل ما تريده تحت سلطة علمي هذين البلدين إن أرادت.
خامسا: الحشد الشعبي المسلح في العراق، لا يزال يحرض ضد المملكة الأردنية الهاشمية كما قيادات حركة حماس، أضف لذلك ماكينة إعلامية وسياسية نشطة في استهداف عمَّان، من خلال دعم إيراني تورط به بشكل مباشر كبار رجالات خامنئي بالصوت والصورة، فضلاً عن وقوع العراق تحت نير حكم السلاح غير القانوني، وانتشار المليشيات والمربعات الطائفية الخطرة على طول خارطة بلاد الرافدين.
سادساً: في دمشق، نأى الرئيس السوري بشار الأسد بنفسه عما تفعله إيران، واعتمد على استراتيجية تمايز رسمي حيال تصرفات المليشيات، لكن كل ذلك لم يجعل سوريا بمأمن من الغارات الإسرائيلية، وطرق تهريب السلاح الإيراني وتخزينه، والعبث بجبهة الجولان وإن كان محدوداً ويكاد ينسى أحياناً، ويورط سوريا بمزيد من الفوضى التي تحذر منها روسيا على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف قبل أيام.
سابعاً: وجع مدنيي غزة أكبر بكثير من أن تختصره سطور هنا وهناك، وحرص حركة حماس حليفة إيران على زيارة خامنئي وحكومة إبراهيم رئيسي بين الفينة والأخرى مشهدٌ يتكرر، ليضفي بطابعه العبثي والشخصي مزيداً من القهر على حياة الغزاوي التواق لانتهاء الحرب، وتوقف بازار إيران كما عدوان إسرائيل عليه، ولا يملك هنية أو مشعل أي خيارات سياسية مسؤولة، بل يمارسان لعبة الدم قبالة نتنياهو وسموتريتش وبن غفير.
والخلاصة فيما أود قوله: إن إيران ليست بوارد مواجهة إسرائيل، فهي تقاتل إسرائيل بالعرب وتقتل العرب بالعرب، وتتآمر على دول العرب من خلال عرب خونة لأوطانهم، من الإخونج المتطرفين أو المليشيات المسلحة المتشددة ذات التفكير الطائفي القاصر والولاء الأعمى لنظرية الولي الفقيه، التي تضرب عرض الحائط بمفهوم الدولة الوطنية أو العيش الكريم للإنسان.
نقلا عن العين الإخبارية