عبدالجليل السعيد
من وحدة الساحات إلى غرفة العمليات!
من المؤكد أن اغتيال سلاح الجو الإسرائيلي لفؤاد شكر، الرجل الثاني في مليشيات حزب الله اللبنانية، له وقعٌ خاص وكارثي في مفهوم الأحداث الجارية بالمنطقة.
لا سيما من حيث التفوق الاستخباراتي الإسرائيلي اللافت، الذي كشف الغطاء مجدداً عن بنك أهداف (دسم) ويسيل من أجله لعاب المسؤولين في تل أبيب.
لكن ومن أجل تفكيك المشهد كلياً، لا بد من أخذ جميع السياقات الجارية بعين الاعتبار، وتبسيط الكثير من الأخبار المتسارعة، من أجل وضع النقاط على الحروف، وتسمية الأمور بمسمياتها، حتى يتسنى للقارئ الكريم استيضاح مآلات كل أمر سيحدث.
أولاً: اجتماع مسعود بزشكيان رئيس إيران الجديد بممثلي المليشيات الحوثية وحزب الله وحماس وغيرها قبل تنصيبه رسمياً، وحديثه عن انتقال استراتيجية طهران من وحدة الساحات إلى إنشاء غرفة عمليات كبرى وغرف عمليات صغرى، بغية التعاون المتقدم استخباراتياً وعسكرياً ولوجستياً.
كلها مسائل مهمة، تشرح بوضوح نية إيران الاستثمار في الفوضى الحاصلة الآن، وجعل الشرق الأوسط على فوهة بركان اللااستقرار للأسف.
ثانياً: كيف يمكن لإيران الاستفادة من كل ذلك؟ وهذا سؤال وجيه، لعل رئيس إيران الجديد بزشكيان أجاب عنه في خطابه حين قال علناً: "يجب أن يعلم الجميع بأن إيران تمسك بمفاتيح اللعبة وعلى الغرب أن يتفاوض معها"، وهنا بيت القصيد.
حيث تسعى إيران لقبض أثمان أعمال مليشياتها، على حساب بلدان عربية مدمرة ومنكوبة مثل: سوريا والعراق ولبنان واليمن وفلسطين.
ثالثاً: عكست صور حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد داخل البرلمان الإيراني توجهات الحكومة الجديدة في طهران، من خلال وضع ممثلي المليشيات في الصف الأول، وتلك رسالة واضحة بأن إلغاء الدولة الوطنية في بغداد وصنعاء وبيروت ودمشق، هو المرتكز الأول لنظام إيران المستغل لوجود وكلائه في المنطقة.
رابعاً: ولعل طهران تناقض نفسها بنفسها، فهي التي أنكرت رسمياً علمها أو دعمها لما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ثم شروعها بإشعال المنطقة على يد مليشياتها المسلحة، دون أي جهد حقيقي لإيقاف الحرب في غزة.
فلا حروب الإشغال صنعت شيئاً، ولا جبهات الإسناد المزعومة غيرت المعادلة، والمكسب الوحيد كان المتاجرة بالقضية الفلسطينية والتنكر لعذابات الشعب الفلسطيني المنكوب.
خامساً: لا يمكن لعاقل إغفال فشل إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن التي تفرغت لعامين متتاليين وقتها لاستعادة الاتفاق النووي الأوبامي المشؤوم مع إيران دون جدوى، وبعد أن شعر البيت الأبيض بالحرج واصطدم بحصول الحرب الأوكرانية الروسية، ذهب بعيداً نحو مزيد من الخيارات المرتجلة دون استراتيجية سياسية جدية لإطفاء الحرائق وإنهاء الصراعات.
سادساً: من المؤلم جداً أن تتحول حكومة لبنانية في دولة عربية ذات سيادة إلى ساعي بريد بين مليشيات حزب الله والمبعوثين الدوليين وعلى رأسهم المبعوث الأمريكي الخاص بلبنان عاموس هوكستين.
وممنوع كذلك على تلك الحكومة أو البرلمان الذي انبثقت عنه أن يجتمعوا لمناقشة ما يجري في جنوب لبنان، لأن قرار الحرب بيد طهران، ومليشياتها في لبنان أداة تنفيذ فقط.
وخلاصة ما أود الوصول إليه، يمكن تلخيصه بالآتي، إن مشروع الدول العربية المعتدلة والقوية يقوم على أسس خدمة الإنسان والمجتمع من تعليم وطبابة وعمل ومستقبل أفضل، بينما مشروع إيران هو الحروب والمليشيات وتضخيم المخاوف الأمنية، ثم يتحدث رئيس إيران الجديد عن توطيد العلاقات مع دول الجوار. فأي توطيد وأي علاقات في ظل هذه التوجهات الإيرانية العبثية؟
*نقلا عن العين الإخبارية