باتت الحياة في تعز تشبه السكنى في محارق متعددة اللظى، القاطنون فيها تُكوى جلودهم وحين تشوى، يخرجون لمحرقة جديدة تستبدل جلودهم بأخرى استعدادًا لاحتراق جديد، وهكذا.
تعز، حاصرتها المجاري الطافحة والطرق الشائكة والقضبان المسيجة، وكذا الرؤى المدمرة لمن هم فيها، من أوكلت لهم مهمة حراسة الأرواح الآيلة للسقوط، وتعديل كفة الميزان، لكن النتيجة أن الميزان تعطل ورجحت كفة النرجسية، وسيف السطوة طغى واستفحل، وعمّ الفساد.
تعز، لم يكن في حسبانها أن تصحو يومًا وقد صار فيها حتى رغيف الخبز محاصرًا، وعليه أسيجة المصالح الموحشة، يتقاذفونها كخرقة بالية كل طرف ينهش فيها، حتى ما عاد فيها إلا الفتات وأجساد أنهكتها النوائب والمخالب.
ما هو حاصل أن المتاجرة بمآسي الوطن والمواطن اليمني عمومًا والتعزي خصوصّا، هي التي تفرض نفسها على واقع الأحداث، وبالتالي التعمد بزج المواطن في أتون الأزمات المتوالية والنكبات المتلاحقة بات واضحًا جدًا ولا يخفى على أحد، إنما ما يخفى علينا هو موقف الحكومة البائس من كل عذابات المواطن هذه وإعلان عجزها التام وشللها المعيب أمام كل ما يمر بالمواطن الذي أعطاها ثقته يوما ما، ولم يجنِ من هذه الثقة سوى الخذلان المبين، إنما لصبره حدود وفي النهاية ليس كل صبر لدينا جميل، خصوصا مع حكومة فاشلة فاقت حدود الصبر والتحمل.
المواطن اليمني الكادح، ضاق بالمظالم وبالقتل والجوع والعطش ذرعًا، وحملته الحرب عمراً جديداً من الأنين، في حاضر مشوه ومعتم لا مستقبل له بوجود من ما زالوا يدوسون على نعوشنا سواء كنا أحياء أو مقتولين.
إلى متى ستظل الأدخنة تغطي كل بارقة ضوء تريد أن تعبر إلينا بسلام دونما حواجز وأخاديد ملطخة بالوحل؟
وإلى متى سيظل قهر أكبادنا يشاركنا هدير هذا النبض الآيل للاحتضار؟
إلى متى سيظل المواطن اليمني يدفع ثمن أخطاء الساسة، مزيدا من الكد واحتمال سوء الأزمات المتلاحقة والحرمان من أبسط الخدمات الأساسية والتي ما زالت معجزة كبرى عند من يحملونا ما لا طاقة لنا به من الأنين، جعلوا أحلامنا بسيطة لا تتعدى شربة ماء ورغيف خبز يابس ولا نجده..
صرنا فقط مرتهنين لساحة صراعات ولمتصارعين يتنافسون بتوحش على من يطيح بالوطن والمواطن أكثر، ونحن من ندفع ثمن أخطائهم مزيدا من الموت والدم المسفوك؟
يبدو أننا سنظل طويلا تحت منحنى اللا إنسانية والولاء للوطن ولا ندري كم سنحتاج من أزمان أخرى كي ينتقل بلدنا لمرحلة النمو الخالي من الجهل والعصبية الأولى ما دامت عقليات الحروب هي المسيطرة وتطفو على سطح الأحداث السياسية الراهنة ويدفعون بواقعنا ألأزماتي إلى أشده بتعنت وغلظة لا حدود لهما والشاهد على ذلك أزماتنا التي ما زالت تتلاحق يوما بعد آخر.
تُعسًا لنا، فكلما ارتجينا واقعًا يخلو من اكتظاظ المآسي ومن عويل البؤس وأصوات النواح، نتفاجأ بواقع أشد مرارة وسفك لأحلامنا البسيطة، وكل الأطراف السياسية تسعى كي تكسب وتستفيد من الوطن بينما لا يريدون أن يفيدوه في شيء، لا من حيث إحساسهم بالمسؤولية بأعمالهم وتصرفاتهم، ولا من حيث أنهم تركوه وشأنه بعيدا عن أطماعهم وافتعالهم للتعقيدات والخبائث، بمعنى لا هم رحموه ولا هم تركوا رحمة الله تشمل البلاد والعباد.