محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن

كيف يولد الانفصال من صنعاء؟

Tuesday 15 July 2025 الساعة 05:39 pm

طيلة السنوات الماضية، وماكينة الانفصال في صنعاء تتحرك بوتيرة متناسقة مع طبيعة التطورات والأحداث، فالميليشيات الإمامية تتحرك بجهد في سبيل إرساء أمر واقع يناقض فكرة الوحدة والعقيدة والهوية اليمنية. تستغل الحوثية كل الظروف التي أنتجتها حالة اللاسلم، أو ما يمكن أن نطلق عليها "الهدنة"، في سبيل تكريس سلطتها بوسائل جديدة تحميها من الوقوع في أتون انهيار مفاجئ، وخاصة على المستوى الاقتصادي.

تمثل حالة الانفصال التي تظهر جلية كل يوم في صنعاء، نظراً لوجود أسباب مختلفة، منها التقاعس غير المبرر من طرف الشرعية وأدواتها السياسية والاقتصادية. فبقاء كل رموز وقيادة الشرعية وأحزابها في الشتات، يخلق فرصة كبيرة لأن تولد بشكل هادئ حالة الانفصال وبخطوات مدروسة ومنسقة. فالفشل الذي تلبسه الشرعية هو فرصة تلتقطها الحوثية لتبرير إجراءاتها الانفصالية، وتكريس هويتها الطائفية في المناطق التي تسيطر عليها.

جاء إعلان طباعة العملة في صنعاء، وخاصة فئة مائتي ريال، ليظهر الحالة المتقدمة التي وصلت إليها الحوثية في فرض حالة الانفصال، وتكريس الانقسام بين المؤسسات المالية والاقتصادية. قبلها كان إصدار بعض العملات المعدنية، والتي تعاملت معها الشرعية بفتور وتراخٍ، تارة لقلة الحيلة في اتخاذ القرار المناسب أو انعدام الخيارات، وتارة بسبب ضغوط خارجية تحاول أن تتدارك أي تصعيد قد تفرضه الميليشيات حال تم اتخاذ إجراءات تعارض طباعة عملة جديدة.

طباعة العملة الجديدة في صنعاء ليست المؤشر الوحيد على حالة الانفصال، بل هي أكثر تأثيراً لتعميق الانقسام، وإظهار الاختلاف في التعاملات المالية، وتمثل رمزاً سيادياً كان الأجدر بالشرعية أن تتعامل بجدية أمام ما يهز سلطتها وكيانها القانوني. بالإضافة إلى ذلك، نجد أن الانفصال أصبح أمراً واقعاً من خلال المنافذ الجمركية على طول المناطق المتاخمة لسيطرة الشرعية، والأهم من ذلك هي فكرة الوحدة التي تُبنى في الذهنية الاجتماعية، والتي لم تحقق نسبة عالية على الأقل بسبب المقاومة المجتمعية للفكرة والسياسة الحوثية.

نحن أمام واقع انفصالي تفرضه الميليشيات الحوثية، يساعدها في ذلك التقاعس والخذلان والفشل الذي يلازم الشرعية وقياداتها وأحزابها، وبقاء إدارة الدولة من الشتات. فهذه العوامل هي الأساس القوي الذي ولّد في صنعاء حالة من الانفصال، ويجب أن تفهم الشرعية أن هذا التقاعس ستكون تداعياته خطيرة جداً عليها كمنظومة شرعية معترف بها، وكذلك على القيادات والأحزاب بدرجة كبيرة.