حسام ردمان

حسام ردمان

تابعنى على

حقبة لاريجاني: الاستعداد للمواجهة مع السعي لتأجيلها!

منذ ساعتان و 39 دقيقة

خلال اغسطس الجاري، استطاع ترامب أن يفاجئ صانع القرار الإيراني في مناسبتين: أولا رعاية اتفاقية السلام بين أرمينيا وأذربيجان والتي مثلت اختراقاً جيوسي مهماً لمنطقة جنوب القوقاز أربك حسابات موسكو وطهران على حد سواء.

وثانياً قمة الاسكا بين ترامب وبوتن، والتي قد يتضمن جدول أعمالها بندا خاصا بالمفاوضات النووية. وبالتالي فإن طهران التي ترفض الجلوس على طاولة الحوار مع المبعوث الأمريكي ويتكوف، قد تجد نفسها الليلة جزءًا من "منيو العشاء" على طاولة ترامب وبوتن.

وفي ضوء هذه المفاجآت؛ يوصل النظام الإيراني سياسته التكيّفية منذ نهاية حرب الـ12 يوماً، وهي مزيج من الصبر الاستراتيجي والغموض التفاوضي.

فمن الناحية الأمنية والعسكرية، تستعد إيران لسيناريو المعركة عبر سلسلة من الترتيبات، أهمها: 

- تعميق التقارب الاستراتيجي مع روسيا والصين لضمان الدعم السياسي الدولي وأملا في تعويض فجوة التسليح.

- ترميم قدرات الدفاع الجوي والقوة الصاروخية، واستئناف العمل بالبرنامج النووي.

- مواصلة الاستثمار في أذرعها العسكرية؛ حيث قام المرشد الاعلى بتخصيص 6 مليار دولار من ميزانيته الخاصة لصالح فيلق القدس المسؤول عن المليشيات الاقليمية.

- رفع الجاهزية العسكرية عبر تشكيل مجلس الدفاع الوطني، كآلية مؤسسية للتعامل مع الصراعات وتنسيق صناعة القرار، وهذه الهيكلية التي تم تفعيلها للمرة الأولى منذ نهاية الحرب الإيرانية العراقية.

- مواصلة التشديد الأمني ضد شبكات التجسس.

أما في الجانب الدبلوماسي فقد تخلت إيران تدريجيا عن موقفها الحاد في أعقاب الهجمات الإسرائيلية، وأظهرت خلال الأسابيع الماضية قدرا من المرونة المحسوبة؛ وهو ما تجلى في قرار استئناف المفاوضات المباشرة مع الترويكا الأوروبية وعودة التواصل الخجول مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

 وبخصوص واشنطن فقد رشحت أنباء عن وساطة نرويجية يتم دراستها إيرانيا لاستئناف المفاوضات مع الجانب الأمريكي، كما أن شهية روسيا للعب دور الوساطة سوف تنفتح في حال كللت قمة الاسكا بالنجاح.

وتتزامن هذه المرونة مع تغيرات مهمة في توازنات النظام الداخلية؛ أهمها على الإطلاق عودة علي لاريجاني إلى صدارة السلطة. ومنذ توليه منصب أمين عام المجلس الاعلى للأمن القومي انكب الرجل على ملفين أساسيين: تعزيز المصالحة السياسة في الداخل. وهندسة العلاقات الخارجية مع روسيا والصين ودول الإقليم. لكن الأوساط السياسية الإيرانية لا تستبعد توسيع صلاحياته أيضا لكي تشمل ملف المفاوضات النووية مع أمريكا والغرب.

وقد افتتح لارجاني مهامه الخارجية بزيارة استثنائية إلى العراق ولبنان، واللافت في هذه الزيارة اشتمالها على عروض إيرانية مقدمة إلى الحكومات الشرعية في البلدين، كما أن تحركات لاريجاني لم تتحد صراحة المسار الامريكي في المنطقة وانما حاولت ان تتحايل عليه وان تبطئ من سرعته.

في بغداد مثلا عرض لاريجاني على رئيس الوزراء العراقي قيادة وساطة لإقناع الفصائل المتشددة بالانضمام إلى قوات الحشد الشعبي التي تتبع - وإن نظريا- أوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة. كما أن توقيع اتفاق أمني مع العراق يساهم في تعزيز دور الحكومة ضمن العلاقات الثنائية بين البلدين وذلك بدلا من الاعتماد الإيراني المباشر على المليشيات الولائية.

أما في بيروت فقد ناقش لاريجاني مع الرئيس عون فكرة دمج حزب الله في القوات المسلحة اللبنانية مع ضمان احتفاظ الجيش بأسلحة الحزب، وعرض على الحكومة تقديم شحنات نفط وغاز كهبات على أن يقوم الجانب اللبناني ببيعها والاستفادة من عوائدها في إعادة الإعمار. لكن عروض طهران لم تجد صدى في بيروت، وعلى هذا الأساس عاد نعيم قاسم إلى تبني لغة الوعيد والتلويح بخيار الحرب الأهلية.

في المجمل تتحرك طهران داخليا وخارجيا، للتكيف مع متغيرات ما بعد الطوفان ومع تداعيات حرب 12 يوما. وهي تسعى جاهدة لمجاراة الايقاع السياسي الامريكي، والتنبه من الاندفاعة العسكرية الاسرائيلية.

 ويبدو أن إيران قد تصالحت -وإن بشكل مؤقت- مع حقيقة أنها لم تعد قوة توسعية مهيمنة في الإقليم، لذا فهي تركز على الاحتفاظ بما تبقى لديها من أوراق استراتيجية على أمل ترميم معادلة الردع والتوصل إلى شروط أفضل لتسوية أشمل.

ومثلما تواصل إيران استعدادها لخيار المواجهة، فإنها تبدي قدرا من المرونة لتجنب هذا الخيار، أو على الأقل تأجيله قدر الإمكان.. وعلى هذا الاساس فإنها تعيد ايضا توظيف الورقة الحوثية في اليمن، وهو ما يستحق تناولا مفصلا في مقال آخر.