عنى حسين بدر الدين الحوثي عناية متقنة بقضية التعبئة الجهادية، واستخدم الغش الفكري والثقافي في هذا الموضوع.. كان يقول لأتباعه: دعوكم من تبرير طلب العلم"ليعرف الإنسان ما له وما عليه".. عبادات وصلاة وحلال وحرام.. و.. و.. و.. لا، ليس من أجل هذا يطلب العلم، ليس من أجل يعرف الإنسان ما له وما عليه.. بل تحركوا من منطلق الثقة بالله كما أصبحتم عليه، ولو كان ذلك يتعارض بشدة مع ما هو سائد في المجتمع.. والذي يدل على أن الإنسان يثق بالله هو أن ينطلق ويتحرك وهو في الظروف الذي يرى أن كل ما حوله ليس في اتجاهه.. كل ما حوله بعيد عنه.. يرى نفسه ضعيفا.. يرى موقفه غريبا.. يرى منطقه ممقوتا.. هذه الحالة تدل على ثقتك بالله.. إذا ما انطلقت وتحركت في ظروف مثل هذه فأنت تثق بالله.. ثم يفسر لهم نصوصا قرآنية لدعم هذا الفهم يسقط من حسابه السنن الكونية، بل والقواعد المرعية في الحياة الاجتماعية، يقول لهم: القرآن يقول لنا إن الله هو يدبر الأمر.. هو غالب على أمره.. هو ملك السموات والأرض.. هو الذي ترجع إليه الأمور.. هو يهيئ الفرص ويفتح المجالات.. نريد تنطلق وتتحرك، فتقول ربما هذا يثير غضب الدولة، ربما نحرش أمريكا علينا، ربما يسجن فلان، ربما يحصل كذا وكذا.. تضع هذه الاحتمالات وتبني عليها مواقف، تسكت، تقعد.. بينما لا تهتم باحتمالات مثل إن قعودنا وسكوتنا يغضب الله علينا ويكون مصيرنا جهنم.. ضع احتمالين: إما يحدث لك من هؤلاء البشر ضر أو قتل، وإما تقعد وتسكت وتصبر وتكون نتيجة ذلك سخط الله وعذابه، فأيهما أخطر عليك؟ إن لم تراع أن الله وليك والمنعم عليك، وإلهك ذي العذاب الشديد الذي لا ينقذك منه أحد؟ أما البشر فأقصى ما يمكنه هو قتلك ولا شيء بيده بعد ذلك، فيجازيك الله بالشهادة والحياة من جديد سعيدا في الجنة وقبل دخول الجنة.
يروج كثير من السذج قصصا أخبارية كثيرة مؤداها أن المقاتلين الحوثيين يتعاطون ضروبا من المخدرات والكيوف، وأنهم لهذا السبب يستبسلون في القتال ويفتدون السيد بالمهج والأرواح.. وللإنصاف نقول إنهم أبعد ما يكونون عن هذه القصص التي يسوقها السذج، فمصدر حماسهم وإخلاصهم واستبسالهم في القتال عقائدي بالدرجة الأولى.. فقد استطاع حسين بدر الدين الحوثي وأتباعه المثقفون صناعة مقاتلين في سبيل "المسيدة".. خاصة وأن هذه الصناعة تعتمد على تأويل متعسف لآيات قرآنية.. يقول حسين بدر الدين الحوثي لأتباعه: أنت تسيء للقرآن ولا تهتدي به وعندما لا تهتدي به فأنت تكفر بنعمة الله العظيمة، فالله يقول: والله غالب على أمره، وأنت تقول: نحن مستضعفون، نحن ضعاف.. ننسى أن الله قال لنا وعرض لنا في القرآن أمثلة كثيرة تدل على أن الله غالب على أمره.. فارتبط وثق بمن هو غالب على أمره.. ودائما يستلهم حسين بدر الدين الحوثي صور اليهود في القرآن، حتى لا تكاد محاضرة تخلو من شاهد يهودي، وفي ما يتعلق بما سبق يقول: الكهان أخبروا فرعون أن ملكه سيزول على يد غلام من بني إسرائيل، فاتخذ قرارا بقتل مواليدهم، فماذا حصل؟ اتجهت إرادة الله إلى جعل فرعون يربي الطفل الذي سيزيل ملكه.. في قصره ربى الطفل موسى وغذاه أفضل تغذية وحاطه بأحسن رعاية، لماذا؟ لأن الله غالب على أمره.. نشأ موسى في قصر فرعون مرفها، ومع ذلك لم يقل الحمد لله لأني في مقام رفيع بالقصر وأعيش آمنا وأفضل من الآخرين من بني إسرائيل، بل اهتم بقومه اليهود المستضعفين، رأى أن نعيم القصر لا يساوي شيئا مقابل ما يرى من ظلم للمستضعفين بجبروت فرعون.. لماذا هذا الاهتمام بالآخرين؟ لأن الله أعطاه حكما وعلما كما يخبرنا القرآن عندما بلغ أشده، وكذلك نجزي المحسنين.. منح العلم والحكمة سنة إلهية لمن توافرت فيه صفة…