من المعروف للمتابع في شأن السياسة الخارجية الإيرانية منذ انقلاب "الخميني" في أواخر سبعينات القرن الماضي، أنّها قائمة على المصلحة التي تمتزج بالانتهازيّة والمغالطة والزور، تتناول المواضيع الحساسة التي تدغدغ بها مشاعر الأتباع من بعض الشعوب "العربية" و"الإسلامية" بجملة من الوعيد والتهديدات والعنتريات الفارغة تجاه أمريكا ودولة الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن تلك الهرطقات بقيت حبيسة الشعارات وحناجر الهتافات، فيما لم يكن التنفيذ إلا من خلال ضرب كل الأطراف لعدد من الدول العربية، بزرع الطائفية والمذهبية وتخليق ورعاية جماعات إرهابية متمردة كما فعلت وتفعل إيران في لبنان واليمن.
إيران كدولة ونهج سياسي لم تقدم الدعم السياسي أو المالي لأي دولة أخرى باستثناء "سورية" فسياسة إيران تعتمد على دعم حركات ومنظمات تنفذ أجندتها المشبوهة ومن أهم وأبرز ما تريده إيران هو "زعزعة" أمن المنطقة وتدمير مفهوم الدولة في أي قطر تستهدفه بمليشيات تتبعها، متشابهة في ذلك مع الكيان الصهيوني الساعي إلى تدمير الدول المناوئة له في المنطقة، وإشغال شعوبها بمشاكل داخلية على أساس إثني وديني ليقوم الكيان بتنفيذ مخططاته التوسعية والتدميرية وأولها طمس القضية الفلسطينية وتهويد القدس وغيرها من الأعمال التي تصب في خانة المخطط الصهيوني المراد تنفيذه تحت شعار من "النيل الى الفرات".
يخفي الخطاب العدائي المستهلك والذي يراد به "تخدير" شعوب المنطقة وحرف الأنظار عن حقيقة العلاقة بين إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي، حقائق مثيرة للجدل بين البلدين، فـإيران من أوائل الدول التي اعترفت بدولة الاحتلال بعد تأسيسها، بغض النظر عن التوصيفات المتبادلة بين الطرفين كأن تصف إسرائيل إيران بـ”النازيين الجدد” والردّ الإيراني بوصفها إسرائيل بـ”الشيطان الأصغر”، لكن التاريخ يؤكد أن الغريمين طالما جمعتهما المصالح المشتركة.
إيران - إسرائيل تجارة متزايدة عبر طرف ثالث.
بالأمس اتهمت إسرائيل إحدى الشركات التركية بتوريد أجهزة إليكترونية حساسة إلى إيران، تقرير استخباري "سري" حولته إسرائيل إلى رسالة تطالب فيه الأمم المتحدة إجراء تحقيق حول «وصول منتجات إلكترونية متطورة إلى إيران، بما يتعارض وقرارات مجلس الأمن الدولي الذي فرض قيودا على التسلح الإيراني»، في آخر "موضة" من التهريج بين الدولتين، فإسرائيل التي جلبت منذ مدة قريبة مائة ألف وثيقة تتحدث عن البرنامج النووي الإيراني بعملية "استخبارية" ناجحة للموساد كما قال "نينياهو" يبدو أنها عجزت عن إحباط صفقة توريد "الأجهزة" الحساسة!!
رغم أن الواقع والتاريخ رصد العديد من الصفقات المتبادلة بين الإيرانيين والصهاينة، فمثلاً خلال حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، أظهرت الوثائق التاريخية أن جسراً من الأسلحة كانت تأتي إلى إيران عبر إسرائيل، في صفقة كان مهندسها أحد أقرباء "آية الله الخميني"، بموجبها أرسلت إسرائيل نحو 1500 صاروخ إلى طهران، في إطار عملية بيع الأسلحة الأميركية إلى إيران التي عرفت بعد ذلك بقضية "ايران-غيت"، إبان الحرب الايرانية العراقية في الفترة 1981-1988.
وهذا ما جعل "مناحم بيغن" يعترف بكل صراحة إن بلاده زودت إيران بالسلاح لإنهاك عراق صدام، بل كان هناك دعم مالي مقدم تحت غطاء شراء "نفط إيران" ولازال بعض المغفلون يصدق بل ويؤمن إيمانا قطعيا بأن الموقف الإيراني صادق في عدائه تجاه إسرائيل، بل إن البعض يقسم أن إيران هي من سيكون لها الشرف الكبير في خلاص الفلسطينيين والعرب من الصهاينة والأمريكان، كما يصدق ذلك وبكل أسف بعض اليمنيين المنتمين لجماعة العمالة والدمار "الحوثيين" متناسين أن أكبر حاخامات بني صهيون هم إيرانيو الأصل ولهم نفوذهم الواسع في المؤسسة العسكرية والأمنية والسياسية في تل أبيب ومهمتهم الأولى هي التنسيق بين الكيان الصهيوني وإيران.
فهل من المنطق أن نظل مصدقين لحالة العداء الوهمية بين دولتين مصلحتهما واحدة وهي تدمير العرب.
ومن أجل تكامل الأدوار كان لزاماً على الطرفين دغدغة المشاعر العربية، ولا شيء أجدى من استغلال القضية الفلسطينية.. ولذا نتذكر ما قاله الهالك "الخميني" في مطلع الثمانينيات إن "طريق تحرير القدس يمر عبر بغداد" ومن أجل ذلك تم إنهاك العراق وتدميره ولازالت إيران إلى اليوم تعيث في العراق فساداً.. ولازالت ضالة في طريقها لم تصل للقدس بعد مرور ما يقارب 38 عاما على ذلك الشعار الخميني.
لقد ساعدت إسرائيل وأمريكا في خلق "دعاية" وصنع هالة كبرى حول "إيران" وأخافت بها الدول العربية خصوصاً الخليجية ليتقاسم المثلث "الإيراني - الإسرائيلي -الأمريكي" الوطن العربي كلاً حسب ما يريد، فالاولى بنشر المذهب الشيعي ومسخ الشعوب وتدمير الأنظمة بخلق المليشيات، والثانية تستفيد من ذلك فتقوم بقضم الأراضي العربية لتحقق حلمها في دولة "إسرائيل الكبرى"، والثالثة تبتز الدول وتحلبها وتمتص ثرواتها.
كذبة الخلاف "الإيراني - الإسرائيلي" أو الإيراني الأمريكي أصبحت كذبة سمجة لا تنطلي إلا على المغفلين وأتباع نظام الملالي والجماعات المغيبة، قرأت خلال هذه الفترة بعض الكتب التي تتحدث عن حقائق الصراعات والتحالفات في المنطقة، فوجدت العجب من خلال كتاب "العودة إلى الصفر" وكتاب آخر تحدث عن العلاقات الصهيونية الإيرانية لكاتب أمريكي مطلع كان قريباً من دوائر صنع القرار، يدعى "تريتا بارسي" حيث ألف كتابا حول العلاقات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأمريكية بعنوان "التحالف الغادر: التعاملات السريّة بين إسرائيل وإيران والولايات المتّحدة الأمريكية"، كان خلاصة لقاءاته مع عشرات المسؤولين من الدول الثلاث، تحدث فيه عن تعاون استخباراتي وصفقات أسلحة ومحادثات سرية بين طهران وتل أبيب، موضحا أن إسرائيل وإيران يمثل كل منهما للآخر حليفا خارجيا محتملا.
ناهيك عن التبادل التجاري الذي يصل لعشرات المليارات بين البلدين عبر طرف ثالث وشركات متعددة الجنسيات. فهل آن لنا نحن العرب أن نصحو من السبات الفكري الذي نمر به، ونبتعد عن التصديق بحقيقة العداء بين هاتين الدولتين، فهما متفقتان على تدميرنا أرضاً وإنسانا؟
وهل آن الوقت أن تتبلور رؤية عربية صادقة بعيدة عن الانتماءات والمصالح الضارة بالعروبة لنشكل سداً منيعاً أمام المطامع الأجنبية بمنطقتنا العربية؟
وهل آن الوقت لنا نحن كشعوب متضررة من التدخلات الإيرانية أن نعي ونفهم خفايا العلاقة بين الفرس والصهاينة، فإيران مقدسة لدى الصهاينة واليها يحج اليهود من كل العالم إلى ما يقال أنه قبر أخ النبي "يوسف"، فهي لا تختلف أبداً عن الصهيونية في رغبتها في الانتقام من كل عربي..
وعلينا أن نفهم ما قاله رئيس الموساد ذات يوم “نحن على يقين أنّ الأسلحة المقدمة من جانبنا لإيران لا يمكن أن تستخدم يومًا ضد إسرائيل”.