مما لاشك فيه أن قيام الوحدة اليمنية المباركة بين شطري الوطن آنذاك "الشمال والجنوب" في الـــ 22 مايو 1990م شكل ميلاداً جديداً لليمن واليمنيين المحبين للوحدة والعاشقين لها خصوصا وأنها هدف من أهداف ثورتي الشعب الخالدتين "26 سبتمبر و 14 أكتوير" وتفسير صريح لرغبة الشعب اليمني الذي كانت طموحاته الوحدوية حقا واجب التنفيذ من قبل كل قيادات العمل السياسي، لينهي كل سنوات الانفصال والتشظي وينهي حالة العداءات والأذى المتبادلة والتي لايمكن بناء مستقبل مزدهر بوجودها.
إن إعلان الوحدة اليمنية وتأسيس الجمهورية اليمنية لم يكن حدثاً صغيراً وليد لحظته بل حدثاً كبيراً في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر وسبقته ومهدت له الكثير من الأحداث المحلية والعربية والدولية.
ولم تكن هذه الوحدة حالة حديثة أو جديدة وطارئة في اليمن بل إعادة توحيد يمن انشطر وتشطر لفترة زمنية طويلة بعد توحده لفترات تاريخية أطول وأكبر من زمن التشطير.
لقد سعى المواطن اليمني لتحقيق للوحدة وتمسك بها من قديم الزمان، ومنذ ما قبل الأيام الاستعمارية السوداء في الجنوب، فقد كان اليمنيون يتطلعون إلى بلادهم المشطورة نصفين (شمال وجنوب) وفي قلوبهم امنية الوحدة، وفي مطالبهم الشعورية الوحدة، وفي رغباتهم الصارخة الوحدة، ولأجل ذلك ناضل شعبنا اليمني منذ عقود طويلة من أجل تحقيق هذا المنجز الوحدوي، وضحى في سبيلها بالكثير ، وبعد تحقيقها تحمل فساد النافذين والمتأسلمين الذين قاموا بتشويه الوحدة لدى البعض من أفراد مجتمعنا اليمني، ونشروا فسادهم وظلمهم مستغلين مناصبهم وجاههم وسلطانهم في خلق حالة من الفوضى والسخط والتعامل الدوني مع من يقف في طريق جشعهم، الأمر الذي أدى الى وجود حالة نقمة على الوحدة وتحميلها وزر أولئك المجرمين، ومن باب الإنصاف لا يمكن أن ننسى ذكر من سقطوا من الشهداء من أجل حماية الوحدة من أيّة دسائس ومؤامرات، وكذلك شهداء "الحراك الجنوبي السلمي" الذين لفتوا أنظارنا كمجتمع للمشاكل التي خلقها النافذون وباتت تهدد وحدة الشعب ولذا يتوجب علينا جميعا أن نتكاتف لإصلاح تلك الأخطاء وندعو كل أطراف العمل السياسي لمناقشة هذه القضية الوطنية بشكل ندي وعقلاني فلا وصاية لطرف على طرف، ليخرجوا بمعالجات ناجعة لكل الاختلالات التي مرت بها الوحدة وبما يعزز بقاءها كونها مصدر قوة لنا كيمنيين نفاخر بها بين أمم العالم.
وعلينا أن ندرك أن اليمن الموحد هو القاعدة والتجزؤ والانشطار هو الاستثناء في كل تاريخ اليمن القديم والإسلامي والحديث والمعاصر.
فاليمن أرضاً وشعباً موحد كجغرافيا وحضارة وثقافة ولغة، وكذا كسلوك وعادات، وفي إطارها العام والتنوع في اللهجات والفلوكلور أو حتى الملابس أو مائدة الطعام هو تنوع يثير هذا التوحد ويعززه، وظل التجزؤ أو الانشطار في بعض الحقب التاريخية تجزئه سياسية أي وجود أكثر من مملكة أو دولة أو دويلة.
ففي التاريخ القديم، أي في زمن الحضارة اليمنية أو ما يسمى بعض الممالك اليمنية، كانت اليمن موزعة سياسياً في إطار خمس ممالك هي: سبأ، وقتبان، وأوسان، ومعين، وحضرموت، ولكن الاقتصاد كان موحداً فكل الممالك شاركت فيما كان يعرف ببترول ذلك الزمان وهي تجارة البخور واللبان.
كما كانت اللغة وخط المسند والحياة الروحية والنظام الزراعي واحدة، وبمرور الزمن توحد الإطار السياسي لليمن وبشكل تدريجي بدءاً بما عرف بمرحلة دولة سبأ في عام (450) ق.م ثم دولة سبأ وذو ريدان، وبعد دولة سبأ وذو ريدان يمنت وحضرموت وأعرابهم في الجبال والتهائم، وهذه الفترة عرفت بالعصر الحميري. وظلت اليمن موحدة في كفاحها ضد الاحتلال الحبشي، ثم في مرحلة وقوعها تحت النفوذ الفارسي وحتى بزوغ فجر الإسلام.
وعلينا أن نفهم أنه إذا كان صنع الوحدة اليمنية يعتبر شهادة على الشجاعة الكبيرة لليمنيين والقادة السياسيين خصوصا قيادتي حزب "المؤتمر الشعبي العام" والحزب الاشتراكي اليمني، الذين اخذوا على عاتقهم مهمة إعادة تحقيق الوحدة وخلق دولة عصرية تحقيقا لطموحهم في إنشاء مكانة جليلة لليمن ضمن دول العالم، فإن المحافظة عليها ومعالجة الثلمات التي ألحقت بها بشكل منطقي سيكون شجاعة أكبر وشرفا أعظم لكل الأطراف.