تتنافس شعوب العالم في الابتكارات والتألق المعرفي، كما تتنافس حكوماتهم في إيجاد سبل ذلك الإبداع والتألق وصولاً للرفاهية والسعادة المجتمعية، كل ذلك يحدث فعلياً وواقعاً ملموساً في دول احترمت الإنسان وجعلت من حريته وكرامته الأس الأكبر في قوانينها وتشريعاتها وتعاملاتها... ولذا استطاعت أن تسود العالم وتكون علامة فارقة في مرحلة التقدم والتطور الحاصل.
كرامة الإنسان وحريته، تنميته واحترام حقه في الحياة مهما كان مختلفاً، أمر يصعب علينا فهمه في المجتمع الشرقي بشكل عام، فنحن اعتدنا أن نرفع الشعارات فقط، وكان أقصى إبداع العرب أنهم يكذبون الكذبة ويصدقونها بطريقة عجيبة، ويدونوها في كتبهم ومراجعهم وتستدل بها مرجعياتهم، ولذا فواقعنا المزيف المبني على تراهات كاذبة لا يمكن إلا أن يكون جحيماً، على الأقل هذا "جزاء الكاذبين".
كم نحزن ونحن نقرأ عناوين ابتكارات وورش عمل فكرية ولقاءات ثقافية، ونحن غارقون في التاريخ الأسود، لا لون لنا غير لون الدم، و لا شعار لنا إلا باللون الأسود، وهذا أمر طبيعي ما دمنا نتمسك بثقافة ترى أن أعظم عصورنا ولت في الماضي دون أن نحفز الهمم ونبني الإنسان ليحقق المعجزات في الحاضر والمستقبل.
فمن يعترف بالإنسان وكرامته ويعمل على حمايتها وتأصيلها في المجتمع وجعلها واقعاً معيشاً وخلقاً يتخلق به الجميع بقناعة أو بالقانون، يحقق المعجزات في هذا العصر، ولا غرابة حينما نرى ما وصلت له على سبيل المثال ألمانيا من تقدم وازدهار وسطوة اقتصادية جعلتها في مصافِّ الدول الأولى عالمياً في المجال الصناعي والعلمي والتكنولوجي، بعد الدمار والاقتتال الذي لحق بها إبان الحرب العالمية الثانية وما سادتها من حالة التشطير والتقسيم واختلاف الثقافة بين ألمانيا الغربية والشرقية، إلا أن ما وصلت له ألمانيا هو نتاج للإيمان الفعلي بكرامة الإنسان وحقوقه، فالدستور الألماني ينص في مادته الأولى ما يلي: “كرامة الإنسان مصونة ويقع واجب حمايتها واحترامها على كل سلطات الدولة”.
في ألمانيا يتفق معظم الناس على أن كرامة الإنسان قيمة مهمة وأساسية في المجتمع، ومن هنا تتطور الأمم وتنهض بقوة في كل المجالات عندما تعرف ماهية الإنسان والقيم الإنسانية وتطبقها وتلتزم بها، فالإنسان محور الخير إن أجيد تنميته والاهتمام به واستغلال طاقته في البناء وهو ذاته محور للشر ووحش كاسر إن وجهت طاقته للخراب والفرقة والاقتتال كما هو حاصل في بلادنا.. فالإنسان اليمني معروف بإبداعه وتحمله وقدرته العملية الفذة، إلا أنه لم يجد حكومة تهتم به كإنسان بالمقام الأول وتمنحه حقه وحقوقه، فالواقع يشير إلى أن دأب الحكومات والجماعات على مر الزمن جعله آلة للدمار ورقماً للقمار السياسي.
كم هو محزن أن نعيش في هذه البقعة من الكون الفسيح، البقعة الجامدة التي لا حراك فيها، ولا أمل في تحركها للأمام، في ظل الاستهتار بالإنسان وحياته فضلاً عن كرامته وحقوقه التي سحقتها صرخات الصارخين والمتاجرين باسم الله والدين.
عجالة: نتوق لبناء ثقافة إنسانية بتعاون المجتمع والدولة، ليكون أهم مرتكزاتها الإنسان واحترام حقه في الحياة مهما اختلفنا، واحترام الوقت وتقدس العمل ولنيمم وجوهنا شطر التقدم، وتكون شهادتنا الخالدة كن انت لا غيرك، ووليك ومولاك هو العلم والتعليم.