تعد مشكلة الهروب إلى الماضي من أشد مشاكل مجتمعاتنا العربية بشكل عام، بغية التخلص من الواقع المرير الذي تعاني منه هذه المجتمعات خصوصاً في ظل الصراعات القائمة والتمزق الحاصل الذي لم يسلم منه أي قطر عربي، ولذا دوماً ما نجد عدداً كبيراً من الناس ينبري للرد على أي ذكر للتقدم والتطور الحضاري الحاصل في الدول المتقدمة، وبكل عصبية وتعصب وتبرير عقيم ليذكرنا بالتاريخ الماضي، بالزمن الغابر وأننا كنا اسياداً للعالم وقد اخترع العرب وابتكروا ووصلوا إلى أوج التقدم الحضاري والمعرفي، في وقت كانت فيه بقية الأمم الأخرى وعلى رأسها أوروبا، تعاني من الظلم والتخلف والاقطاع والحروب الطائفية، وهذا الكلام صحيح ولا غبار عليه، ولكن لم يعد مجدياً ترديده، خصوصاً وأن تلك الأمم نفضت غبار كل تلك الأدران وخطت خطوات نحو التقدم ووصلت إلى ما وصلت إليه اليوم بثقة واقتدار، بعد أن تعلموا دروساً من الماضي فوضعوا نهاية للخلافات وركلوا الجهل واحتضنوا المواهب وأرباب العلم، فكان لهم أن يفخروا بحاضرهم الذي يشرف بما وصلوا له، وهاهم يتسابقون نحو المستقبل الرائع كما يخططون أن يكون، ونحن العرب لم نستفد من الإسطوانة التي دوماً نرددها "التاريخ العربي والاسلامي" الحافل بالإنجازات لكي نبني الحاضر والمستقبل.
إلى متى نبقى نتباكى على الأطلال، ونتشبث في منجزاتنا الماضية دون تعزيزها بمنجزات آنية ومستقبلية تمكننا من العودة إلى الصدارة وبمختلف المجالات بدلا من بقائنا في مؤخرة الدول، ولا نبرع إلا في أساليب الموت والدمار، ونتقن بدرجة خرافية تنفيذ المخططات التفتيتية ونجيد بلا منافس ألاعيب الخيانة والغدر والعمالة، مسخرين كل ما بيدنا لتمزيق أنفسنا، محصورين في اختلافات مذهبية وعرقية ولا نتاج لنا سوى المفخخات والتكفير والتفجير، وها هو العالم يتقدم عنا بمراحل كبيرة، ليعيش العالم في القرن الواحد والعشرين ونحن مازلنا حبيسي القرن السادس الميلادي!!
تتنافس الشعوب للوصول للاكتفاء الذاتي، بينما نحن العرب نقتات ونعتاش على ما يصنع في الخارج ونستورده بأثمان باهظة إلى بلداننا العربية والتي أصبحت مستهلكة لكل ما يصنع وينتج من صناعات خفيفة وثقيلة.
والأدهى والأمر، أن البعض مستمر في خداعه لنفسه، ما بين تمسك بالماضي، أو نظرته أن التقدم والتحضر هو أن ننسلخ من موروثنا وقيمنا، لذا يرى أن القشور هي الأصل، معتبراً أن التطور يكمن في التقليد الفاضح والأعمى للغرب في مظهره وتعاملاته.. أي أننا أخذنا من الغرب والحضارة الغربية الحديثة القشور وتركنا لب الأمور، وأقصد بالقشور هنا المظهر الخارجي العام بكل ما يحتويه، وتركنا اللب والجوهر وهو التطور والتقدم الحضاري الذي وصلت إليه بلدان العالم المتحضر.
أولاً يجدر بنا قراءة التاريخ بتمعن لكي نستخلص منه العظات والعبر، ونتعلم من أخطائنا الماضية كي نسهم في حل مشاكلنا الآنية والمستقبلية بدلاً من البكاء على أطلال الماضي والتفاخر به.
إن نهوض أي مجتمع يعتمد بالدرجة الأولى على بناء الإنسان وجعله محباً لأرضه ووطنه، فبناء الإنسان أفضل وأهم بكثير من بناء العمران، فبصلاح الفرد يصلح المجتمع والعكس بالعكس، وإذا صلح أفراد المجتمع عندها يمكننا تعزيز ماضينا الحضاري العريق والزاخر بمنجزات على أرض الواقع يمكنها تغيير الحاضر والمستقبل وتغير من موازين المعادلة وأولى بوادر التغيير تبدأ بالاهتمام بالتعليم.