الجيش الوطني الذي تم تشكيله لدحر الحوثيين وتحرير تعز وفك الحصار عنها قوامه قرابة أربعين ألف مقاتل مُخبايين لعيد الأُم!
ألوية عدة لم نكن نسمع عنها من قبل، وقادة وضباط وجنود ومدرسون وموجهون تربويون في كشوف الرواتب، ومعدات وآليات حربية وعسكرية، بينما معركة التحرير الحقيقية متوقفة أصلاً عند حدود التباب التي تم السيطرة عليها قبل ثلاث سنين.. وكان يكفي أن يتوجه عشرة آلاف مقاتل إلى الجبهات لتحرير المحافظة المنكوبة وفك الحصار عنها في وقت قياسي وجيز، ولكن هناك من لا يريد إرهاق هذا الجيش التربوي العظيم وإشغاله في ترهات لا تعنيه، خصوصاً وأن هناك امتحانات على الأبواب، ومذاكرة وواجبات منزلية ودفاتر ينبغي أن يتم تصحيحها للطلبة!
ويبدو واضحاً من مجريات ما يحدث أن الجيش التربوي العرمرم وقادته الذين هم في الغالب من الإخوان المسلمين غير مبالين أساسا بخوض معركة تحرير تعز من المليشيات الانقلابية، ومتفرغون تماما لخوض معركة تحرير قطر من الإمارات والسعودية وفك الحصار عنها مكتفين بما يقوم به الجيش التربوي من مهام يومية مقدسة لحماية أسواق القات، وتحصين الفعاليات الإرشادية والدعوية، وضمان أمن وسلامة "سالم" و"غزوان" وبقية المفُصعين من الأهل والأصدقاء.
كيد الإخوان السياسي عظيم على أية حال، فعندما يكون الأمر متعلقا بأبي العباس وجماعته يصرخون بلا توقف "جيشنا الوطني"، وعندما يكون الأمر متعلقا بمصير دور تنظيم القاعدة الغامض والمجهول ومصير لواء الصعاليك وشوية الجُهال المفصعين الذين يعبثون داخل شوارع مدينة تعز يخرس الأخوان كعادتهم ويغضون الطرف ولا نسمع آلتهم الإعلامية تصيح "جيشنا الوطني" وهو أمر مريب ويتطلب منهم التوضيح بكل شفافية لأن آلاعيبهم وأكاذيبهم ربشتنا صراحة.
شخصياً أنا مع الدولة المدنية الحديثة ومع عودة مؤسسات الدولة لممارسة نشاطها وفق القانون والدستور، ولست أبدا مع أي فصيل ديني يحمل السلاح، كان ذلك هو أبو العباس أو المستشار "سالم" الله يسلمه، أو "الريمي" ربنا يحميه، أو "عدنان رزيق" الله يرزقه، ولا يمكن بـأي حال من الأحوال أن أكون في يوم من الأيام مع أي مليشيا دينية مسلحة، أو مع أي سلطة دينية تتعكز باسم الدولة وباسم الجيش الوطني كانت في صنعاء أو في تعز.. ولكنني بصراحة شديدة أكره وأمقت كذب ومزايدة الأخوان المسلمين في القضايا الوطنية الكبيرة والهامة والمصيرية والحساسة على الأقل منذ تجربتي الشخصية معهم في 2011 عندما وزعوا عليّ تهماً وأكاذيب باطلة، فقط لأنني لم أكن افكر كما يفكرون، ما جعلني أفقد الثقة تماما بكل ما يقولونه حول أي شيء له علاقة بالدولة المدنية الحديثة، لأنهم في واقع الحال أفاقين بشكل مخيف، ويفجرون في الخصومة مع أي طرف يقف حائلا أمام ما يطمحون إليه صغيرا كان أو كبيرا، عدوا كان أو صديقا.
وأكثر من ذلك أنه لا نية مطلقا لدى الإخوان في أن يكون هناك في تعز بالذات جيش وطني حقيقي يحمل عقيدة قتالية وطنية، ولو كان لديهم تلك النية أصلا لما صفقوا منذ البداية لأبي العباس، ولما وزعوا الرتب والمناصب القيادية في الجيش الوطني على مدرسين وتربويين ومطلوبين أمنيا بتهم متعلقة بالإرهاب.
ولوكان عندهم نية لوجود جيش وطني لما شنوا أكثر من هجوم دعائي كاذب على قوات اللواء 35 وحاولوا مرارا وتكرارا تكسير مجاديفه لمجرد أنه لواء خارج سيطرتهم الإخوانية، ولما تعاملوا معه ولا يزالون وكأنه زائدة دودية في قوام الـ 40 ألف مقاتل الذين يحتويهم جيشنا التربوي البطل.
والآن كلما استمعت إلى أصوات الإخوان يصرخون "جيشنا الوطني" عيني تِرف بصراحة وأتذكر أكاذيبهم التي حدثت معي، ويتهيأ لي أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن الجيش التربوي المكدس مكرس لخوض معاركهم البينية للخلاص من خصومهم السياسيين والدينيين ومراقبة سير امتحانات الثانوية العامة لا أقل ولا أكثر.
أتمنى من كل قلبي أن أكون مخطئاً في ذلك وأن تكون تقديراتي غير صحيحة، ومخاوفي غير موفقة، وظنوني ليست في محلها.. ونفسي أصدقهم على الأقل هذه المرة، ولكن كيد الإخوان عظيم في واقع الحال، وتجاربنا معهم مريرة تجعل من تصديقهم أمراً في غاية الصعوبة.. وقالوا الذي اتسلع بالشربة ينفخ في الزبادي.