محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن

مات الرئيس

Monday 27 January 2020 الساعة 04:31 pm

علي عبدالله صالح إذا حدث هجوم بسيط على نقطة أمنية في أقصى اليمن ولو لم يكن هناك إلا جرح بسيط في جندي، كان يستنفر كل أجهزة المنطقة الأمنية والاستخباراتية، وكان يعقد الاجتماعات الطارئة لقيادات الدولة ويظهر للإعلام بصورته الجدية التي تخبر الناس أن أمرهم وحياتهم محط اهتمام الدولة، كان واحداً من الناس يعرف كل همومهم وأوجاعهم ويعرف الناس همومه وأوجاعه. 

الحنين إلى دولة وشخصية الرئيس الصالح وشعبويته جعلت من الناس يؤمنون أن لا شيء سيعوض ما فقدوه، ولا مغفرة لخطايا ارتكبها البعض عندما أرادوا قتله في بيت الله، حتى وهو يرى الموت أمامه وجسده مثخن بالجراح كانت البلاد أكبر همومه وعدم انزلاقها إلى حرب أهلية وخرج إلى الناس بصوته الأجش: إذا أنتم بخير فأنا بخير. 

اليوم نحن بلا دولة، مجزئين، مصنفين، انحدرنا من شعب واحد إلى شعوب وقبائل ذات كيانات سياسية وجغرافية، نقفز بين نيران تلتهم كل أيامنا، نتساقط بالعشرات جثث حطب للحرب والجوع والانقسامات، احتلت ميليشيا الإرهاب بشقيها الحوثي والإخوان مدننا وقراراتنا ومقومات حياتنا، وسلطت علينا الحروب كواجب ديني عليها أن تقوم به ضدنا، كل هذا ونحن لا نعرف إن كان لنا رئيس اسمه هادي.

الحديث عن كل المجازر والانتهاكات التي حدثت للبلاد وللناس منذ تولي هادي الرئاسه سيغرقنا في تفاصيل الألم والوجع الذي يثير استفهامات عن مدى قدرة شخص مثل هادي يعرف كل شيء ولا يفعل شيئاً رغم أنه يمتلك من القوة المادية والعسكرية كل شيء، يرى دماء الضحايا ويصمت، ويرى المجرمين فيصافحهم.

في الحروب المصيرية يرتدي القادة بذلتهم القتالية، لا يعرفون النوم ولا يخلدون للراحة إلا الشيء النزر، يتحركون في كل جبهة، يسندون كل مقاتل، يرفعون المعنويات للكل المقاومين، بنادقهم تشارك بنادق من في المتاريس، يتنقلون من مكان إلى آخر، يعالجون كل القضايا الطارئة، لا ينسون معاركهم السياسية والدبلوماسية والإعلامية، لا يخفون الحقيقة عن الشعب، يقاتلون لأهدافهم النبيلة والوطنية، لكن الأمر هنا في اليمن مختلف تماماً، لا الرئيس ارتدى بذلته ولا حتى خاطب الشعب أو على الأقل يبعث بصورة تدل على أنه لا يزال على قيد الحياة.

الرئيس هادي اتخذ من الفندق مترسه الذي تسنده جماعته وشلته الصاخبة بالفساد والابتزاز والمتاجرة بالحرب وأوجاع الشعب في جنوبه وشماله، تحدث أمور هامة ومفصلية في تاريخ البلاد فلا نجده حاضراً ولو عبر الإعلام، إننا لا نثق في الحياة، فربما قد خطفه الموت فإن لم يكن ذلك فالصمت والعجز والفشل الذريع.

مجزرة الجنود الأخيرة في مأرب، وسقوط نهم، الدليل الأخير الذي نراه والدماء لم تجف بعد والضحايا لم تُشيع بعد، أكثر من عشرة أيام لم نرَ الرئيس يتحدث إلى الناس، ولم يجتمع بالقيادات العسكرية على الرغم من قربهم من غرفته، ولم يعزِ أسر الجنود، ولم يتوعد بالانتقام، هل فعلاً لدينا رئيس… أم أنه قد مات!! نعم لقد مات لكن في قلوب الناس والجنود ولم يعد رئيساً يثقون به وبشلته.

مات الرئيس هادي عندما خذل شعبه وبلاده ولم يقاتل كالرجال والقادة الوطنيين، اتخذ من شلته الفاسدة المحيطة بغرفته شعباً له يهتفون له كل صباح ومساء، ومنحهم الحق في الإفساد والمتاجرة وبدماء الضحايا والحروب، مات الرئيس عندما نادته كل أشلاء الضحايا: افعل شيئاً. لكنه لم يفعل شيئاً، مات الرئيس عندما تخلى عن صلاحياته وقدرته في خدمة بلاده وشعبه وحولها إلى خدمة له ولشلته… نعم فشله هو موت، ومعه أشبع الناس موتاً.


معارك في الضالع، ومقاومة على أبواب الحديدة تصد الهجمات وتنتظر، الجنود في "نهم" يخوضون معركة دفاعية، جبهات هنا وهناك، قصف للمدن بالصواريخ البالستية، اعتقالات واختطافات، سجون، جوع، مجاعة، وضحايا بالعشرات..كل هذا ولا أحد يعرف أين الرئيس هادي.. وما هي وظيفته؟!