عبدالحليم صبر

عبدالحليم صبر

تابعنى على

جازعة.. تسمى مجازاً كورونا

Wednesday 10 June 2020 الساعة 03:47 pm

بعد ما أخذت القات ودفعت الفلوس، تفاجأت أن المقوت عليه أعراض كورنا (زكمة، حمة، سعال جاف، لا يشم ولا يطعم) لأجد نفسي محاطاً بشكوك وقلق.. فلا سبيل أن أترك القات طالما وقد أخذته، محاولا إخفاء ملامح الرفض التي قد بدأت تتشكل في وجهي. برر صديقي المقوت لحالته أنها مجرد "جازعة" فقط وليست كورونا.

قبل يومين أحد الأصدقاء الأعزاء أصر على أن أكون ضيفه وهي فرصة الجمعة أننا نخزن سوا.. وأثناء تقديم الغداء قلت له: لا بد من أن نتغدي نحن وابوك وامك كالمعتاد.

قال لي وحالة الحرج تكسو وجه: أبي تعبان وأمي تعبان.. حُميات ربما! أو "مكرفس".. وكما هو متعارف أن العاطفة هي من تتولى أمورنا في مثل هذه الحالات مهما كانت نتيجة ذلك الأمر. دخلت الغرفة الأخرى وقهقهات الضحك تسبق خطواتي لتقديم واجب الزيارة لرفع معنويات من قد سبقونا بالمرض، في محاولة لتطمينهم. قطعت "خالتي" كلامي وقالت: هذه "جازعة" في توضيح وتعريف مبسط منها أنه لا خوف إزاء ذلك، فمثل هذه الحالات تتكرر كل سنة ولا داعي لزيارة الطيب.

قبل أيام صادفت أن التقيت بإحدى الصديقات في أحد محلات البيع وعلى عجل ــ بعد ما شعرت اننا فهمت ان عليها أعراض المرض المنتشر ــ حاولت تبرير هذا الفهم ان المرض هو مجرد "جازعة" على كل الناس.

صديق عزيز كل يوم نخزن مع بعض، فاجأني ذات صباح وابتسامته تعطر حديثه انه مصاب بكورونا.. مؤكداً أن جميع أعراض كورونا يعيشها دون قلق أو خوف، لانه ــ حسب قوله ــ قد ذهب للدكتور حيث قال له : ان كورونا قد انتهت منه.. بينما بقية أسرته تعاملت مع الأمر أنه "جازعة" ولا داعي للخوف.

"الجازعة": مصطلح قديم يشار لمرض معين أو عدوى تنتشر في أوساط الناس، يصل في غالب الأحيان إلى أن يصاب كل من في (المنطقة).. ولا يعتبره الناس خطراً يهدد حياتهم، بل يذهب البعض بقوله إلى انه طهور للجسم من ما يكتسبه الانسان من معاص..

شاع هذا المصطلح مع جائحة (الحصبة والجدري) المرض الذي اقتحم مجتمعات العالم ثم بعد ذلك عندما شاع شلل الأطفال والانفلونزا حتى بات المصطلح يتوارثه المجتمع اليمني وبالتحديد (اليمن الشمالي) كمفهوم تعريفي كلما أصاب الناس جائحة أو مرض معين..

وبرغم ما قد جاءت به الأيام من تطور في العلم والمعرفة، إلا أن مصحف المعتقدات ما زال يدير حياة الناس، وقد يبدو غريباً أن يصل بعض الناس إلى قناعة أنه بالضرورة أن يطال المرض"الجازعة" جميع من في البيت أو القرية، بما في ذلك الأطفال، حتى يثبتوا لأنفسهم حقيقة معتقداتهم، كما تعفيهم هذه الحقيقة من تبعات هذا المرض، والأكتفاء بالعلاج التقليدي (العصيد، الحلقة، الحلص، الثومة، البسبس الأخضر، العُثرب) لمواجهة "الجازعة".

هذا هو واقعنا اليوم ولا سبيل إلى نكرانه، ولا يمكن الخروج منه إلا بتجاوز هذه المعتقدات، والاعتراف بحقائق وحقيقة العلم والمعرفة.