لا شيء يرتجى منه، كان الناس يبحثون عنه لا عن خطاباته، بعد أن أماتته وسائل الإعلام ودفنته في مئات المقالات والمنشورات، بسبب غيابه عن المشهد وانعزاله في صومعته التي لا يعرفها إلا خاصته، ظهر هادي الرجل الذي يحب مناداته بفخامة الرئيس مجتمعاً مع حاشيته التي يتقدمها الجنرال الأحمر وبقية الوجوه التي تمتقع من دعوات العودة إلى الوطن.
يجيد هادي القراءة ولا عتب على أسلوب الإخراج، لكن خطاباته متلعثمة وغير قادرة على قول ما يريده الناس، وما تحتاجه البلاد، وكيف يجب أن تكون المعركة لإنهاء هذه الحرب، لذلك تتسم هذه الخطابات بالتأتأة والتنصل من الإجابات التي تذيب تساؤلات الناس عن الحرب والفساد والتمدد الذي لم ينته لمخالب الإخوان من حوله وشيطنات الجنرال الأحمر التي تجهز على أي تقدم يحسم معركة في جبهة هنا أو هناك ضد الحوثي.
ليس لأنه غير جدير بأن يكون فخامته، لكن الأمر متعلق بالقدرة والفاعلية على إدارة الفخامه. الشرعية تحتاج فاعلية وديناميكية مستمرة، من أجل التقدم والسير نحو الهدف، لا خلف أذناب ليس لها إلا مشاريع شخصوية أو فئوية، ولا تمثل لها هذه الحرب إلا مغارة للتكسب والفساد والنهب والدوس على دماء اليمنيين وجماجمهم التي منحوها للبلاد من أجل الأجيال والمستقبل والقيم المتحررة.
يعيش هادي الرئيس خلف عببه الذي يملأ عنقه، لكنه يعجز أن يكون رجل سياسة يعيش في الواقع ويتحرك من خلاله ويدير المعركة وينتصر فيها ويكون بطلها، يُصِرّ أن يبقى حبيس الخطابات النمطية التي تُقرف آذان الناس، وقد اعتادت عليها، ولا تمس واقعها أو تغير منه إيجابياً، يجبر نفسه على أن يكون مطية للجنرال وأفعاله وأقواله ومشاريع جماعة الإخوان، ولا يهمه من كل ذلك إلا أن الجميع ينادونه: يا فخامة الرئيس.
البطل الحقيقي هو الذي يجمع هموم الناس ويخوض المعارك من أجل أن يبيدها، ويجعل من أصواتهم أهدافا يجب أن تكون مسموعة، لكن هادي لا يكون بطلاً إلا في خطاباته المهتزة، لأنها معبرة عن حاشيته الإخوانية وصوت الجنرال، ولا تمثل جوهر وحقيقة ما تقوله الناس، وهنا يضع الرئيس نفسه في زاوية مظلمة لا تعترف بعوامل صناعة الأبطال والظروف التي تخدمهم في ذلك.
خطابه الأخير كان هادي قد مات، ولم يعد له قوة على الحركة في جسد الشرعية، ولم يكن له عبور في أعين الناس لأنها أغلقت عليه كل الطرق بعد أن خذلها وأصابها بالعمى والرمد، فتح في خطابه قبراً واسعاً دفن فيه بقاءه على كرسي الخطابات، ونزع عنه ما تبقى من تساؤلات الناس عن مصيره المجهول في الفترة الماضية التي شهدت أحداثا مفصلية لا يجب أن يغيب عنها أي مسؤول يحترم نفسه وشعبه.
لم يستغن خطاب هادي الأخير عن تصفيق الأيادي الملطخة بالفساد والعار وخذلان الناس في حربهم ودمائهم، إنه تشبث بآخر المطافات التي يكون في التصفيق بروتوكول مبني على الوقوف بين جملة وأخرى من الخطاب، ولا يهم أن يكون دليل رفض أو تأييد على المحتوى، لأن تلك الأيادي متهمة بالوقوف ضد الحقيقة والأمانة، متهمة بغرز نصال الخذلان في كبد الشعب.
لا يقف أحد ضد نفسه مثلما يفعل الرئيس هادي، ولا يقف أي خطاب ضد الحقيقة مثلما تقف خطابات هادي، لا لون محدد يمكن صبغه على الشرعية المتلونة بحرباء جماعة الإخوان ودهاء الجنرال الأحمر، العراب الذي بأمره تُبنى تلك الخطابات وتنتظم في الورق، بناءً مخططا وبمقياس محدد على جسد هادي الذي مات، والآن يدفنه الجنرال والإخوان في قبر الخطابات والأفعال الشنيعة باسم الشرعية والجيش الوطني الذي بُني أيضاً على كشوف من ورق.