محمد عبدالرحمن
السواعد السمراء.. صلاة من أجل "الحرية" في الساحل الغربي
سواعد تسند بعضها، متاريس يقف فيها الرفيق يحمي رفيقه، ولا تغفو بنادقهم إذا دنا الليل واشتعل الظلام، يتثاءب الوقت من التعب، والتعب في سواعدهم راحة وهم في غمرة التناجي وسط المعركة، ابتهال يذكرون فيه الله راحة قلوبهم، ولعلعة رصاص تذيق عدوهم عذاب الخوف والموت.
اللائذون إلى المتاريس والمعارك في الساحل، غرباً حيث تشرق شمس الجمهورية الثانية، وتتفجر آمال الناس صبراً وبقاءً على عهد الثائرين الذين أخلصوا في السير نحو غاياتهم، صنعاء قِبلتكم وصلاة بنادقكم، ليس فيها استخارة، إنه اختياركم الأسمى والأنقى، مرهونة الحرية في بابها بقدومكم، وليست الحرية نزاعا يمحوه هدم الباب، إنها نزعة وغريزة خُلقنا فيها وخُلقت فينا.
محاربون لم تقترفوا خطيئة الصمت، لا خطيئة ولا صمت حين الاندفاع للدفاع عن القضية الجامعة، تنازلتم عن اسمائكم الشخصية وها أنتم اليوم أمامنا بهويتكم القتالية "المقاومة الوطنية"، "ألوية العمالقة"، "الألوية التهامية"، إنكم بلا أسماء ذاتية، وكم هو فخر أن ينال المقاتل هويته القتالية المشتركة في المعركة دفاعاً عن الحرية والعدالة.
مقاومون على العهد الذي تعمّد بدماء الأبرياء التي سفكها الكهنوت، ملامحكم لن تخطئها يوماً رملة المخا ولا نخيل الحديدة، محفورة في ذاكرة المكان مهما حال أو جار الزمان، لأن التضحية بالدم لا تمحى، تخاف عوامل المحو الاقتراب منها، من يقترب يحترق.
أصدقاء المخا والدريهمي، وإخوة الخوخة والجاح وحيس، كبار أنتم في هذا التعارف الملحمي، أسطورة المعارك أن تصبح الأماكن والمدن صديقة للمقاتل وأن يكون لها أخ باع روحه ودمه من أجلها دون تردد أو حِسبة للدنيا، صداقة لها جذور مغمورة بالدم، وإخاء باسق للسماء، ترابط الغاية والهدف ووحدة القضية وسمو التضحية لن يتركها التاريخ دون أن تصيبه بذهول هذه العُرى الوثيقة.
في صنعاء تتجول أصواتكم واسماؤكم تطوف البيوت وتطرق أبوابها أن الصبح قريب، لكم ملامح ترسمها الشوارع في وجوه المارة، ونظرات المارة المنكسرة تواقة للدولة وشمس الجمهورية، يتهيأون دوماً للوقوف خلفكم، أصواتهم تسندكم وأجسادكم تحميهم، فكرماء مثلكم لا يكون لهم إلا المجد.
من العار أن لا نكتب ودماؤكم وضوء لأجسادكم، وزيت لمصابيحنا التي سرق الظلام فتيلتها، تعيش آمالنا في كنف الله وتضحياتكم، ليس لدينا شيء يقاتل غيركم في هذا المدى الواسع من حرب شتتنا، أنتم الصوت الذي جمع هذا الشتات ونحن فيه، وأعاد الاتجاه الصحيح إلى خطواتنا، الله كم نحن عاجزون عن تقبيل جباهكم ولو بكلمات مهما كانت عظيمة فهي هزيلة أمام قداسة القضية والتضحية.
نكاد أن نغرق في وحل السقوط المدوي للدولة وعبور الكهنوت على أنقاضنا، بل قد غرقنا، وأنتم حبال النجاة، سكنتم المتاريس وجاورتم البحر والسهل، وفي البُعد عن عوائلكم عذاب الحنين يطوف حولكم، فتلتقطه طوافات الحنين الأكبر إلى العائلة الكبيرة التي تحتوي تحت سقفها كل أسمائنا.