يتجاوز الانتقالي العوائق سريعاً، يثبّت أقدامه بشكل أقوى، في كل مرحلة يحقق إنجازاً بوقت قياسي، إعلانه التراجع عن الإدارة الذاتية هي نهاية مرحلة تجاوزها بنجاح، وبداية مرحلة جديدة يخوضها وفي يديه شرعية وجوده والاعتراف بكيانه الذي طالما حاولت الشرعية التهرب من ذلك.
التراجع عن الإدارة الذاتية ليست تراجعاً عن الأهداف السياسية التي يعلنها الانتقالي في أدبياته سواءً اتفقنا معها أو اختلفنا، لكن ذلك كان يحمل تكتيكا سياسيا ورفعا لمستوى سقف المطالب، من أجل أن تضع الشرعية غرورها وتنظر بعين الواقع إلى ما حققه الانتقالي وما بيديه من سيطرة في الجنوب، وتستجيب للمطالب الجنوبية التي دائماً ما تتهرب من النظر إليها بمسؤولية.
تضج مواقع الإخوان بالتشفي السياسي الموجه نحو المجلس الانتقالي، باعتبار أن تراجعه عن الإدارة الذاتية هي خسارة للمعركة، وأنه الآن في موقف صعب أمام جماهيره في الجنوب، هذا الضجيج الإخواني ليس له علاقة بالسياسة، ولا بالأمور التي من خلالها يندب الإخوان حظهم بخسارتهم في الجنوب، والنتيجة هي ما سيأتي لاحقاً.
نجح الانتقالي بتخليه عن الإدارة الذاتية، التي كانت بالأساس عبئاً عليه، لا يملك الموارد التي يمكن له من خلالها تسيير مجريات الحياة، لقد تخلى عنها، ولم يكن في الأساس يريدها، لأن الوقت ليس مناسباً لإعلان مثل ذلك القرار السياسي وتحمل مسؤولياته، لكنه كان تكتيكا سياسيا ممتازا، من خلاله استطاع أن يجعل الشرعية تذعن لتنفيذ اتفاق الرياض، المطلب الأساسي للانتقالي.
بعد الآن لا يمكن أن تستفرد الشرعية بالقرار، ولا يمكن لها أن تتجاهل الصوت الجنوبي الذي يعبر عنه المجلس الانتقالي، الذي يمتلك القوة والسيطرة على الأرض، والثبات على ما يسيطر عليه، ولا يمكنها أن تتجاوز بقدمها مصالح الجنوب، وتعمل على تنفيذ أجندات لا تتوافق مع المصلحة العليا للجنوب وللشمال.
لا يجب أن نستبق الأحداث فيما يخص التزام جماعة الإخوان المستحوذة على الشرعية، فيما يخص تنفيذ اتفاق الرياض، وعدم القيام بوضع العراقيل التي من خلالها تطيل أمد التنفيذ، أو خلق دوائر للصراع من جديد في مناطق مختلفة، أو بممارسة الأعمال الإرهابية في الجنوب، على الرغم أننا ندرك مسبقاً أن هذه الجماعة لا تؤتمن على اتفاق ولا عهد، كما هو ديدن كل جماعات التطرف الديني.
يعتبر اتفاق الرياض جيدا من الناحية السياسية بالنسبة للانتقالي، باعتبار ذلك مرحلة جديدة تمنحه المشاركة في العمل السياسي ضمن إطار الشرعية، ومن خلال ذلك يستطيع تحقيق ما يتعلق بالقضية الجنوبية، وأهم ما يتضمنه هذا الاتفاق بشكل غير مباشر هو التواجد الشرعي للمجلس الانتقالي داخل الشرعية ذاتها، وفي الواقع الذي أنتج كل هذا الاعتراف.
لكن السؤال الذي يشغل الشارع اليمني، ماذا لو نجح تطبيق اتفاق الرياض، إلى أين ستتجه الأمور، وإلى أين ستتحرك القوات، وهل ستكون وجهة كل الأطراف نحو صنعاء والضغط على جماعة الحوثي للرضوخ لحل سياسي أو لإسقاط المناطق التي يسيطر عليها وإسقاط نظام حكمه الذي يتعزز ويتغلغل في الشمال المنكوب، أم أن هناك مرحلة جديدة من الحرب ضد الجنوب..؟؟!