في الفترة الأخيرة بدأت السعودية تتعامل مع الحرب في اليمن بشكل من الغموض، لا أحد يعرف إلى أين تسير البلاد، وما الذي يجعل الحرب بهذا الشكل من التراخي والفتور المتعمد، مع بقاء الحوثي مستمراً في المعارك، هذا الغموض يثير الأسئلة التي حيرت الناس، وتبحث عن إجابة واضحة ومنطقية.
كانت قد احتضنت قيادات الشرعية في فنادقها حتى تخدّرت تلك القيادات وأتعبها الملل والكسل، وانعكس ذلك على مجريات المعارك في الميدان، وبعد أن أصاب هذه الشرعية العجز والفشل بسبب الفساد، نجد أن المملكة تسعى إلى ضم قيادات الانتقالي إلى فنادقها، وإبقاء الجنوب يراوح مكانه، تحت يافطة البحث عن آليات لتنفيذ اتفاق الرياض.
نعرف جيداً أن اتفاق الرياض وما سينتج عنه من حكومة جديدة، هو مجرد ضياع للوقت، لأن النتيجة لن تكون عند مستوى طموحات الشعب، ولن تغير من الواقع العسكري والاقتصادي، ولن يحدث أي اختراق في الجبهات واستعادة زمام المعركة والتوجه نحو صنعاء، لأن الأدبيات التي انطلق منها اتفاق الرياض لا تتوافق مع الوافق ولا تعبّر عنه، ولا تلامس جوهره بشكل منطقي وحقيقي.
لا تدرك السعودية أن هذا الفتور والإنسلاخ عن المبادئ التي على أساسها قامت عاصفة الحزم، لن يكون في صالحها، لأن حساباتها لترتيب وضعها في الجنوب بما يخدم مصالحها وبعض قيادات الشرعية الفاسدة، سينعكس أثره عندما تبرم اتفاق مع الحوثي، بحيث يحصل على الشمال ويكون حامياً لحدودها الجنوبية.
هذه الحسابات لن تجد لها مكانا على الواقع التطبيقي، اليمنيون يخوضون حرباً من أجل بلادهم وجمهوريتهم وحريتهم، ولن يقبل الناس التواطؤ السعودي الواضح مع قيادات الشرعية الإخوانية الفاسدة التي حوّلت الحرب مع الحوثي إلى تجارة واستثمار، ولن يقبل الجنوب أن يبقى رهينة مرة أخرى للإخوان، التي تسهل السعودية تغلغلهم فيه وعودتهم من باب الشرعية.
لدى المملكة القدرة على إنهاء الحرب وعودة الدولة إلى صنعاء، لكنها ترى في بقاء حالة اللا سلم واللا حرب فرصة لإعادة ترتيب أوراقها، بعد أن أزاحت الإمارات وتفرّدت بالملف اليمني، لكنها على ما يبدو عاجزة عن الظهور بنفس الأدوات السابقة، لأنها أدوات فاسدة وثبت فشلها، وعلى الرغم من ذلك ما زالت متمسكة بها.
خطيئة السعودية في اليمن هو استمرارها بالتمسك بجماعة الإخوان التي تسيطر على الشرعية وقراراتها، والدفع بها نحو الجنوب بدلاً من الشمال، الجنوب الذي تقول إنها تقف معه ومع قضيته.. نعجز عن فهم هذا الانشطار المريب، كيف تقف مع الجنوب، وفي نفس الوقت تدفع بالإخوان لغزوه من جديد.
والخطيئة الثانية للسعودية هو جمعها لكل القيادات السياسية والحزبية في فنادقها وإغداقها عليهم بالنعم والملذات، مما جعل من الحرب في اليمن وسيلة للترف والتكسب والترفيه لتلك القيادات، وعدم الضغط على تلك القيادات لتنفيذ الاتفاقات والسير نحو تطبيع الحياة في المحافظات المحررة وعودة الجبهات للتقدم نحو صنعاء.
الانشطار والغموض الذي تتعامل به المملكة في إدارتها للملف والحرب في اليمن بعد خروج الإمارات عسكرياً، أدى إلى تعقيد الأمور وإثارة السخط لدى أوساط كثيرة من فئات المجتمع، لأن الناس هي الوحيدة المتضررة من الحرب كان يمكن حسم المعركة منذ وقت مبكر، لكننا اليوم نعجز عن إدراك الأسباب "السعودية" التي جعلت الوضع في اليمن بهذا الشكل المزري والمخيف.