على الرغم من كل الأخطاء التي حدثت في عهد المؤتمر الشعبي العام أثناء ما كان يمسك بزمام الدولة اليمنية، إلا أنه يبقى الحزب المؤرق للجماعات التي لا تمتلك نهجاً سياسياً يوازي نهجه، ولا أيديولوجية وطنية غير مستوردة كأيديولوجيته، هو متفرد من بين الأحزاب التي ساهم في ولادتها، وهو الأول والأخير في القدرة على القيادة الكاملة لدولة كاملة.
لولا الهزات التي حدثت في 2011م في بعض الدول العربية، ووصلت ارتداداتها إلى صنعاء، لم يكن لأي حزب أن يزعزع المؤتمر ويهز كيانه بأي وسيلة، لأنه يمتلك القدرة على امتصاص كل الهزات بشكل سلس، لكن الإخوان عندما رأوا الإقليم يشتعل، لم يتوانوا بإشعال صنعاء حرائق وحروباً.
بعد سقوط الدولة وفكفكة المجتمع واضمحلال اليمن، وطغيان أيديولوجيات دينية متطرفة، أصبح المؤتمر الشعبي العام في حصار مرير وموجع، اقصاءات وتشويه واستهداف لقياداته واغتيالها وملاحقة مناصريه، في محاولة لإضعافه وكبح جماح قوته الجماهيرية التي يستند عليها.
عشر سنوات من 2011م إلى اليوم، وجماعة الإخوان وجماعة الحوثي تطلق سهامهما الغادرة وبنادقهما المؤدلجة بالتطرف والإرهاب صوب كل اليمنيين، وعلى مستوى الأحزاب وجهت كل مكرها وتوحشها ضد المؤتمر، واستهدفته في كيانه وقياداته، من أجل أن يرضخ ويَنخّ، وتهيئته للذبح والتخلص منه.
نجحت جماعة الإخوان في قصف قيادات الدولة في جامع النهدين والتي كانت أغلبيتها من حزب المؤتمر للتخلص منها، مات في ذلك الاستهداف من مات ونجا من نجا، لكن الاستهداف لم يتوقف، ولم تتوقف هجمات التحريض والتشويه، لكنها بعد أن خلخلت كيان الدولة وسلمتها لجماعة الحوثي، أوكلت إليها مهمة ذبح قيادة المؤتمر بالتزامن مع ذبح الدولة، وهو ما تم بالفعل.
على مستوى القاعدة الجماهيرية الأكثر من بين الأحزاب والجماعات السياسية الأخرى، استخدمت جماعات التطرف الإخوانية والحوثية كل الوسائل لاستمالة كوادر المؤتمر للعمل معها وترك الحزب باعتباره منتهياً، تارة باستخدام الترغيب وتارة بالترهيب، وهو ما حدث ويحدث الآن، بعد أن عجز الحزب عن إيجاد قيادة موحدة له تجمع كل الجماهير تحت مظلته الوطنية.
جماعة الحوثي لا تؤمن بالحزبية وتؤمن بالولاية، وجماعة الإخوان لا تؤمن بالحزبية وتؤمن بالخلافة، والمؤتمر لا يؤمن بما تؤمن به الجماعتان، ويؤمن بفكرة الديمقراطية والمدنية، لذلك هي الفرصة للانقصاض عليه قيادةً وفكرةً وقاعدةً جماهيرية، تسعى الجماعتان إلى قلع جذور الحزب، ليخلو لها كرسي السلطة باسم الدين وباستخدام الإرهاب.
ما نراه اليوم من منع المؤتمر لإقامة احتفاليات تأسيسه ال38 وخاصة في مناطق سيطرة جماعة الإخوان والحوثي، هو المرحلة الأخيرة في حياة المؤتمر، المنع من ذكر مؤسسه أو رفع صوره، ثم المنع من إقامة الاحتفالية، بعد تشتيت قياداته إما بالتهجير أو بالتشريد أو بالسجن أو بالاغتيال، لكن جماهيره لم تفقد الأمل، وما زالت تؤمن بعودته لإنقاذ ما تبقى من البلاد بعد خراب الهمج.