حسن العديني

حسن العديني

تابعنى على

بهلوان سياسي بامتياز

Sunday 30 August 2020 الساعة 09:59 am

من الإنصاف الاعتراف للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه يتمتع بمهارة سياسية عالية، وقدرة فائقة على التنظيم والإدارة. لولا هذه المزايا ما استطاع أن يصل إلى الموقع الأول فوق حصان حزب ديني في دولة ترسخت فيها العلمانية على مدى ثمانية عقود وزيادة.

بهذه المهارة، تمكن أردوغان من إفشال محاولة الانقلاب العسكري في منتصف يوليو/تموز 2016، ومن ترميم الصدع في العلاقة مع موسكو، بعد حادث إسقاط الطائرة الروسية من قبل مقاتلات تركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، كما فرض وجوداً لتركيا داخل سوريا في زحمة المنافسة بين القوى الكبرى.

واستطاع أردوغان توسيع المجال الحيوي لتركيا ومد نفوذها مسافات طويلة خارج حدودها، ثم إنه أظهر كفاءة منقطعة النظير في استخدام جماعة «الإخوان» المسلمين في تمرير مخططاته في المنطقة، عندما أوكل إليها الكثير من الأعمال القذرة التي تنفذها في العادة الأجهزة الاستخباراتية.

ومن الناحية العملية، فقد أمسى بمثابة المرشد الحقيقي للجماعة، بعد أن تقوضت حصونها في مصر. وأردوغان لا يحمل الخزينة التركية نفقات الأنشطة التخريبية، فلديه الغني البطر: قطر الدولة التي لا تكاد تبين ويهمها أنها بواسطة المال تجعل اسمها حاضراً في المحافل والأروقة ووسائل الإعلام.

لكن أردوغان مع هذه المهارة والكفاءة طاغية يتصف بالحقد وعدم الوفاء، فضلاً عن أنه بهلوان كبير يؤدي أدواراً في تمثيليات مكشوفة. ولا يتسع النطاق لسرد وقائع عديدة عبر فيها أردوغان عن شخصية تجمع بين الكفاءة السياسية والانحطاط السياسي.

فعقب المحاولة الانقلابية في يوليو 2016، مارس فائضاً من القسوة يزيد على حاجته للاحتفاظ بالسلطة، ولم يكتف بمعاقبة من حاولوا إزاحته من الحكم ومن اشتبه في مشاركتهم، أو من ظن أنهم من جماعة معلمه القديم فتح الله غولن.

لقد أخذ كثيرين بلا جريرة فسحق مئات الآلاف من الأسر التي فقدت وظائف عائليها في سبيل تمكين «الإخوان» في تركيا من السيطرة على الخدمة المدنية والجيش والقضاء والشرطة والإعلام والصحافة.

وبسبب الحملة الهوجاء بات طالبو اللجوء في أوروبا من الأتراك ينافسون القادمين من سوريا والعراق والدول التي تتشظى تحت مطارق الحروب الأهلية.

ويقدم أردوغان نموذجاً بارزاً للرجال الذين يجزون الإحسان بالإساءة، فقد انقلب على شركاء الأمس سواء الذين قادوه وراءهم في مراتب الصعود السياسي أو الذين رفعوه فوق أكتافهم. لقد أعطى جزاء سنمار غولن، وجول وأحمد أوغلو، وأخذ يشن عليهم الحرب ويتعقبهم في كل درب.

أما أنه بهلوان، فلست أدري إن كانت غريزة فيه أم إنها التربية الحزبية، وأفصح الأدلة هي تلك الحركة التي أداها في دافوس سنة 2008.

هناك بدا غاضباً على الرئيس الإسرائيلي، عنيفاً ومتغطرساً، ثم بعد أن تفرقت به السبل وبأحمد أوغلو، اعترف الأخير بأنه صاغ رسالة اعتذار أردوغان لشمعون بيريز، وأبان فيها أنه كان يقوم بدور مسرحي لزوم استقطاب عواطف من يعنيهم أمر الفلسطينيين. ومن أسف أن ذلك التهريج ابتلعه كثيرون في المنطقة العربية. ولم تبرح أبواق «الإخوان» تمزق طبلات الآذان بالكلام الكذب، وتُلبس التهريج كساء فضياً مكتوباً عليه اسم فلسطين.

وهذا البهلوان الذي عبر البحر الأبيض إلى ليبيا، يرسل قواربه الآن عبر البحر الأحمر في الطريق إلى باب المندب. الواقع أنه لم يعبر البحر وإنما قطع مسافات في الجو من أنقرة إلى تعز قريباً من باب المندب، ففي تعز وعدت قيادات «إخوانية» بأنها ستصد جحافل الحوثيين وترجعهم إلى معقلهم الأول في صعدة شمالي اليمن.

وبعدما يزيد على خمس سنوات ظهرت ميليشيات تلك القيادات «الإخوانية» وهي تدير ظهرها للحوثي الماسك بنواصي تعز، وتتجه إلى الحجرية للاستيلاء على اللواء 35 مدرع، التابع للشرعية الذي سبق أن طهر مناطق واسعة في المحافظة من الحوثيين.

يريد أردوغان بهذا أن يمسك العالم العربي من رأسه إلى الأقدام، بعد أن كسر الذراع هناك في ليبيا. ولا شك في أن مهمة إفشاله في يد الحكومة الشرعية في اليمن إذا وعت وقررت سحب جيشها من قبضة «الإخوان» المسلمين، والتعاون بثقة مع دول التحالف لكسر أردوغان وإلقائه خارج ملعب التاريخ.