من يولد في فريضة الحرب التي نزلت على هذه البلاد، يكون قد وجد لنفسه مكانا في مربع المجندين، الهاتفين بالعودة إلى حيث البداية الأولى، وقد ارتوينا من الولادة والموت، ونبتت في عروقنا جذور المجد والجمهورية، ولنا الحق في أن نقاتل ولو فرادى، وعلينا الواجب أن نصنع النصر من دمنا ولو لآخر طفل وحيد يولد على تربة هذه البلاد.
تنشأ المعارك وتُبنى الجبهات كأنها منقوشات سبئية من جماجم زمردية، نحتتها السنوات العجاف بالبؤس والحرمان، تجرف معها الوقت والكلام وحتى الوداع اللائق بالأهل، هوجاء كالعاصفة وسريعة كرياحها، لا تتأنى لإلقاء النظرة الأخيرة والشرعية للإنسان الراحل.
يسقط على الناس الموت بكثافة، لا يتمكنون من التقاط نفس أخير، تهاجمهم الأحداث، وتصليهم الوقائع الدموية، وتكتسيهم دفعات الوجع المبثوث، يريدون أن ينطقوا بأسمائهم لتسجيل الحضور في دنيا لم يروا منها إلا الدماء، يلوحون بأيديهم إلى البعيد، ويرحلون وفي حلوقهم غصة الضياع والشتات.
نعم.. يمنيون أصبحوا بلا بلاد ولا دولة ولا قائد ينتزع من الحرب سنامها وينيخها للرضوخ وقد وصل بهم إلى قمة النصر واستعادة الحقوق الأصيلة التي جرفتها عبثية الجماعة المعممة بالسواد الإيراني، وساندها جشع الطربوش العثماني على رؤوس جماعة الإخوان.
ونأبى أن نكون في مصاف تلك العمائم الإيرانية والطرابيش التركية، حتى وإن جاءت على رؤوسنا الطير تأكل منها، وقد أكلت ولا تزال، وهنا ندفع الضريبة التي لا بد من فعل ذلك، لأننا غفونا ذات يوم عن ذاتنا وأحلامنا، وانجررنا سهواً في الحديث حتى ضاعت بلادنا، ورأينا الحلم يتهاوى فهوينا جميعاً، ولن يكون لنا إلا العودة.
أن نترك فرصة للسلام مع جزّازيّ الأعناق وهمج التاريخ، يعني أننا نستمر في حفر قبور الأجيال، وأن تبقى مشاعل الحزن في كل زاوية من غرف البيوت، لا صفة للسلام ولا معنى له مع من يرتكب الجريمة فينا، وكأنها حق لنا وهو الموكل إليه لتنفيذها، ومهما كان ذلك السلام أممياً، فإننا أصحاب الجسد والدم والبلاد والمستقبل.
في الوقت الذي أصبح لدينا القدرة على تمكين البلاد من النصر واستعادة ما هو لنا من مخالب الحوثي والإخوان، حدث الاستنفار الأممي لكبح تلك القدرة، وأُطلق شعار السلام والتفاوض، إنها الثرثرة التي لا تخدم إلا تلك المخالب، وترغب أن لا يحدث التمكين الذي كاد أن يتحقق في لحظة من أبهى صور القدرة على تحقيق النصر... لن تستمر تلك الثرثرة حتماً.