كم هو مؤلم ألا يتبقى من العيد سوى حكايات من ضفة الحلم والذكريات وبقايا من رائحة الأمكنة التي لا تنسى، الطقوس والزيارات، بهحة الكبار وفرحة الصغار وابتسامات الأطفال، ظفائر الفتيات المنسوجة والحناء الفواح المنقوش، أريج المشاقر والفل، مقيل الظهيرة حتى المساء، زحام صلاة العيد، التكبير والسلام، وانشودة واحدة "كل عام وأنتم بخير"، بعض فرقعات طماش الأشقياء من الصبيان، العمائم الملونة والكوافي المعصفرة، التي تأتي من نكهة التاريخ وتلبس في الأعياد كموروث عزيز.
إنها لوحة الوطن المزروع بالحب والبن والباميا والذرة والتسامح، الممهور بعرق جباه المزارعين في الريف، وللعيد في الريف طعمه المختلف، من كورسات السماع الصوفي في "مقصورة" القرية إلى حكاياتهم في المساء عن أحلامهم المؤجلة وهاتيك التي تحققت وأثمرت في موسم الحصاد، أشواقهم للغائبين، والمغتربين الذين تصل أصواتهم عبر الهاتف، وعبر حوالات دعمهم للأهل والأقارب.
لطالما بهرتني هذه اللوحة الجميلة للعيد في اليمن، وكم هو صعب فقدانها وسرقتها بفعل الحرب والشتات، وتلطيخها ليصبح العيد بلون الدم ولحاف الموت، وزفرات الحنين إلى من غادرونا إلى السماء قبل أوان، ومروا مرور الكرام، جرت "العادة" التي يشتق اسم العيد منها أن العيد مصدر رئيسي للونس والبهجة، فسحة وظلال من تهالك الدرب وأزمات الروح، محاولة لاستعادة الأنفاس، والأنس بنغمة خارج سرب النغمات الحزينة وجولة جديدة للزمن وعلاج لأكسدة الأيام الخوالي، إنه المهرجان الكبير والاحتفاء الاجتماعي الجماعي، ومستشفى نوعي فيه يتم دواء جروح الأقارب وما تقطع من الأرحام التي تجبر بشكل سريع في يوم مختلف، وإذا كان للجمال يوم معلوم فإنه حتما يوم العيد، وتلك اللحظات الندية في أيام العيد المتعاقبة التي يذكرها الإنسان كلما اشتاق قلبه إلى حنان أو تربص به الشوق المسافر بفعل صبابة موؤودة.
لقد شكل العيد بكل مفرداته من بهجة وفن وغناء وعطور وتزاور رزنامة الفرح الجميل، ولطالما سهرنا صغارا حتى مطلع الفجر وبارحنا النوم في انتظار صبح العيد أن يبدأ بعزف ايقاعاته وأحداثه.
تظل لوحة العيد بديعة فريدة يبدو أنها سرقت منا كيمنيين، والعيد عيد العافية...
وكل عام وأنتم بخير..