خليل القاهري

خليل القاهري

تابعنى على

في وداع شاعر اليمن المرهف والشيخ المثير للجدل

Thursday 20 May 2021 الساعة 08:06 pm

بين الجعاشن وإب وتعز وعموم اليمن، وبغداد والقاهرة وعمّان، بين الشعر والجدل والمشيخة والعاطفة والحب والسياسة، وفاة الشاعر محمد أحمد منصور.

وحتى أكون خارج أي حسابات بين خصومه ومؤيديه فقد كتبت عنه بعد وفاته.

مات الشاعر والشيخ المثير للجدل /محمد أحمد منصور (شيخ الجعاشن الشهير، وشاعر اليمن المرهف)، عن عمر 91 عاماً..

مات صاحب قصيدة:

"يا ليت مـن وعدت بالوصلِ لم تعدِ...

ولم تجرّع فؤادي علقم الكمدِ..

يدٌ على مدمعي الجاري تكفكفه

‏ليلاً وأخرى تضم الجرح في كبدي..

رَنوتُ للنَّجمِ أشكو طولَ فُرقتها

والدَّمعُ ينتزعُ الآهاتِ من جَلَدي 

وقلتُ لليلِ لمَّا طالَ موقِفُهُ

لا طالَ مَسراكَ من بعدي على أَحَدِ.."

وهي قصيدة طويلة بالغة الشعور وعذبة الألفاظ والمعاني، وزادها دهشةً الفنان الكبير أيوب طارش عبسي الذي منحها بصوته جمالاً إضافياً..

كثيراً ما أثيرت قصص وحكايات حول الراحل -رحمه الله- على غرار اضطهاد وتهجير أبناء الجعاشن التابعة لمحافظة إب وفرض جبايات واستغلال نفوذه ضدهم وغيرها..

لكن هذا شأن آخر لا نستطيع هنا الجزم بتفاصيله ولطالما نفاه ذوو الشيخ ومقربوه.. وليس موضوعنا هنا.

ما يهمنا هنا هو ذلك الكم الغزير من الإنتاج الإبداعي الشعري للرجل الذي يدهشك بناء قصائده وجزالة مفرداتها.

شخصياً، قابلت الراحل محمد أحمد منصور لقاءين عابرين في تعز، أحدهما في منزله الفخم بتعز منتصف 2007 بمعية مجموعة من الأصدقاء، والثاني في 2009 في استراحة فندف سوفيتيل الذي كان معلماً مدهشا في أعلى مرتفع من شرق تعز وبات اليوم أطلالاً تبعث على البكاء، بعد أن تفنن في تدميره المتحاربون وغارات الطيران.

يشعرك الشيخ والشاعر محمد أحمد منصور، في بساطته وثقافته وعمق قراءاته وطيب معشره؛ أنك على عهد طويل به، حتى إنني لم أتردد في الحديث إليه أن من يقرؤون له أو يسمعون قصائده المغناة ينفون عنه صفات "الجبروت" و"التسلط" الذي ينسب إليه من منطلق ذلك الكم الغزير من الرقة التي تتسم بها القصائد.

أعماله الكاملة تنبئ عن شاعر ملهم تلغي شاعريته صفات "المشيخة" التقليدية التي كرسها البعض.

فيكفيك أن تمر متفحصاً على قصيدة "نجمة العشرين"، التي مما فيها قوله:  

"أنا من لبست العمر معكوس المدى ... وأضعت في باب الزمان حسابي"... 

أما شعره ذو البعد القومي فيتجسد  بقصائد شتى، منها تلك التي خص القدس بها، وفيها: 

"لن يرجعوا (القدسَ) من ضَجُّوا ومن شَجَبوا

متى عَهِدنا (صلاح الدين) قد شَجبا

لن ترجع (القدس) أشعارٌ ولا خُطبٌ

فالحربُ أبلغُُ من أَنشَا ومن خَطَبَا

إن تنصروا الله ينْصركم وإن تَهنوا

فلا انتصاراً ولا قُدساً ولا عرباً

 قصيدته "إلى قلعة العرب" (بغداد)  تمثل ملحمة شعريةً كاملةً والتي ألقيت في مهرجان المربد 1978  ومما فيها:

"قد جئتُ عن حُبٍّ يُواكبهُ

شوقٌ إذا مَسَّ يَوماً (دِجلةَ) الْتَهَبا

أقلَعتُ من مَدرَجِ التاريخِ في (سَبَأ)

وَجئتُ أخترقُ الأَجوَاء والسُّحُبَا

أجُرُّ خَلفِيَ عَرشاً في سُرَادقِهِ

كَادت دعائِمهُ أن تلمسَ الشُّهُبا

من أرضِ (بلقيسَ) أرض الجنَّتينِ  غدتْ

حَصبَاؤها درراً أحجَارُها ذَهَبا

كم تغربُ الشمسُ في الآفاقِ كاسِفَةً

ومجدُ (بغدادَ) ملءَ  الأرضِ ما غَربَا

فأَينَ قبر (النُّواسِي) من سَيُرْشِدُنِي

إليه أنثرُ فيهِ الشِّعرِ والأدبَا

صَوتُ (امرىءِ القيس) هدارٌ على  كَلمي

ويَسْكُنُ (المُتَنَبِّي) اللّحمَ  والعَصَبَا...،

والقصيدة تطول...

أغراضه الشعرية امتدت كثيراً، بين دينية ووطنية وقومية وأخرى ذات دلالات تتناقض مع ما أثير حول تأصل حب السلطة لديه وعلاقاته مع حكام البلاد المتعاقبين إذ يقول:

 "قالوا أتحلم في حكم البلاد غداً؟

فقلت لا أبتغي صنعاء أو عدنا..

فأتعسُ الناس في الدنيا وأنكدهم..

من يمتطي الليث أو من يحكم اليمن"..

 بالمناسبة كثير من الدراسات ورسائل الماجيستير اتخذت من الصورة الشعرية لقصائد محمد أحمد منصور عناوين لها وكثير منها خارج اليمن.

وعموما بين مولده في العام 1930 في الجعاشن ووفاته في 13 مايو 2021 وتشييعه المهيب من قبل الخصوم والمحبين له ومواليه ومبغضيه على حد سواء في منطقة ذي السفال الثلاثاء 18 -5 -2021 بعد عودة جثمانه من القاهرة كثير من فصول الجدل والمشيخة والحب والشعر والسلطة وخليط من كل ذلك.

 كنموذج لقصائده يمكنكم من خلال يوتيوب سماع مغناته بصوت أيوب طارش "يا ليت مــن وعدت بالوصل لم تعدِ".

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك.