كان الفقيه الموسوعي، والأب الثاني للمذهب الزيدي، الإمام عبد الله بن حمزة، خصيماً لكل من يخرج عن المألوف، وينازع في مسألة الولاية في البطنين.. وكان الفقيه والمفكر مطرف بن شهاب من هؤلاء.. فماذا فعل بهم الإمام الزيدي الحاكم عبد الله بن حمزة؟ شن عليهم في نهاية القرن الخامس وبداية السادس الهجريين حرباً ضروساً.. قتل منهم نحو مائة ألف -كما يذكر بعض المؤرخين- في وقش- مديرية بني مطر اليوم- وفي سنع- قرب قرية حدة بالعاصمة صنعاء، وفي ريدة.. دمر مساجدهم ومنازلهم، وسبى نساءهم وصادر أموالهم، بل وأتلف تراثهم الفكري والفقهي، وما ينقل عن المطرفية اليوم هو عبارة عن ما نقل في كتب خصومهم من باب التشنيع.. كفر ابن حمزة وأتباعه طائفة يمنية بكاملها، لم يبق منها أثر اليوم، بسبب عدم اتفاق مفكريها وفقهائها مع النظرية السياسية التي فرضها على المجتمع، وأيضا لأنها كانت ما تزال تعتنق الفكر المعتزلي الحر المبدع.
اجتهد المفكر والسياسي السوداني محمود محمد طه في قراءة ودراسة التراث العربي- الإسلامي، بما في ذلك القرآن والأحاديث المنسوبة للرسول محمد، وأوصله اجتهاده إلى القول بمساواة الذكور والإناث في الميراث، وأن الحجاب ليس له موجبات من صحيح الإسلام، وأن الجهاد ليس من الأصول.. وفي ميدان الصراع السياسي مع الإخوان المسلمين ألف كتاب (الهوس الدينى يثير الفتنة ليصل إلى السلطة)، وقد نشره حزبه -الحزب الجمهوري- عام 1984.. وعجز خصوم هذا المفكر عن الرد على أفكاره، فاتهموه بالردة عن الإسلام، وكان دليلهم أنه أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة.. فما هذا المعلوم من الدين بالضرورة الذي أنكره محمود محمد طه؟ أولاً أن هذا الصوفي يقول بالحلولية. ثانياً، أنه يؤسس لفهم جديد للإسلام. ثالثاً، عمل من خلال حزبه على تقويض الدستور.. لم يصرحوا أنهم عجزوا عن التطويح باجتهاداته، ولم يقولوا إنهم حقدوا عليه بسبب كتاب الهوس الديني، بل نسبوا إليه ما اعتقدوا هم أنفسهم أنه كفيل بالتخلص منه، ولأن محكمة الخرطوم كانت في أيديهم، حاكموه بتهمة الردة وحكموا عليه بالإعدام وأن تؤول ممتلكاته إلى بيت مال المسلمين، فصدَّق الرئيس المؤمن جعفر نميري على الحكم، فأعدموا الرجل يوم 18 يناير 1985، وبعد نحو عام تقدمت ابنته أسماء بدعوى إلى المحكمة العليا، طلبت فيها إعادة النظر في إجراءات محاكمة والدها، وتمكينها من استعادة ممتلكاته باعتبارها الوريث الشرعي.. وبالفعل راجعت المحكمة العليا الإجراءات القانونية وفحصت المستندات في ملف القضية، واكتشفت أن القضاة خالفوا الإجراءات الدستورية والقانونية عمدا في كل المراحل: الاعتقال، التحقيق، الاتهام، المحاكمة، وإصدار الحكم، وعثرت أيضاً في ملف القضية على مستندات أدخلت إليه بعد صدور حكم محكمة الخرطوم.. وقررت المحكمة العليا أن الحكم الذي صدر بحق محمود محمد طه باطل باطل.