عبدالستار سيف الشميري
"قصة" من أرشيف جرائم جماعة الإخوان بتعز
المواطن محمد علي مهدي قعشة (33 عاماً) كان يسكن مدينة تعز، اليمنية.
زمن الجريمة 27 أغسطس، من العام الماضي 2020م.
تفاصيل الجريمة:
وفي وقت متأخر من الليل خرج "محمد" قعشة من منزله لشراء "زبادي" بعد إلحاح من طفلته كي يهدأ جوعها، واتجه إلى بقالة مجاورة، ليخرج بذات اللحظة قاتلان مع خمسة مساندين، أو مرافقين لهم من منزله. نعم خرجوا من منزل محمد المغدور به الشهيد، في مفارقة في عالم الجريمة، قلما تتكرر، مهما بحث الباحثون لن يجدوا القاتل يخرج مباشرة من منزل الضحية إلا ما ندر، ولعلها خاصية للإخوان حصرا. قام القاتلان بإطلاق رصاص كثيف على كل جسم المجني عليه وأردياه، قتيلاً بالقرب من باب المسجد الذي يرتادونه أيضا لجمع التبرعات أو القيام بطقوس عبادتهم، أنهوا المهمة بنجاح وعادوا لمنزله المملوك له بكل برود أعصاب، تم سلب ماله وسفك دمه في ذات المكان، لكن القصة لم تنته بعد، حيث هرع بعض سكان الحارة لإسعافه، فتم إطلاق الرصاص لتخويفهم ومنعهم، واصل بعض السكان الإصرار على الإسعاف، ذلك أنه ابن حارتهم، وله يد بيضاء معهم، غير أن فريقا داعما لمن نفذوا الجريمة حضر إلى مسرح الجريمة ومنع إسعاف المغدور به، في واحدة من أبشع قصص التصفية وسلب المال، ليست الأولى ولا الأخيرة، إنه مسلسل ممتد منذ تصفية العميد أحمد حسن عبدالوهاب إلى طلال الحميري وأصيل الجبزي وحنش وحبيب الشميري وأعداد كبيرة لم تحصر بعد.
أصر القتلة أن يترك محمد قعشة حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة دون إسعاف، كانت طفلته التي طلبت منه الزبادي تنتظر ويا ليتها ما طلبت وصبرت على جوعها، الذي يتضور منه معظم سكان مدينة تعز المنكوبة.
شاهدت الطفلة أباها مضرجا بدمه وعلى شفتيه ابتسامة وداع غريبة، صاحت دون شعور بعبارتها المشهورة التي أصبحت آية تتلى، وهشتاجا يحكى:
"#يا بابا ارجع ما اشتيش زبادي #يا بابا ما نشتيش بيتنا نشتيك_ببيتنا".
هكذا انتهت القصة، لكن من المهم أن نشير إلى أصل الحكاية وبعض تفاصيلها القديمة، والقضية باختصار تعود إلى أكثر من 5 أعوام، حيث طالب محمد من أفراد ما يسمى الجيش والأمن، الذين هم مليشيات لحزب الإصلاح الذي سيطر على مدينة تعز اليمنية منذ 6 سنوات تقريبا. وأسس مليشيات باسم الجيش.
طالبهم الشهيد محمد قعشة، الخروج من منزله و2 من المنازل العائدة لوالده، حيث يتمركز فيها أفراد من اللواء 17 بقيادة عبده حمود الصغير ورامي الخليدي، ورغم توجيهات بعض السلطات بالمحافظة لقيادة اللواء بتسليم المنازل، إلا أن رفض "الصغير" حال دون تسليم المنزل، ليضطر الشاب "محمد" إلى استئجار منزل صغير بقرب منزله حتى يتمكن من مراقبته..
يقول أحدهم، كان يبكي مساء وهو يراهم يخرجون ويجلبون صنوف الأكل ويأتي عبده حمود ويستقبلونه ويعدون له متكأ القات بعد وجبة كبسة دسمة، ويستمر محمد يراقب خروجه وعودته ويقول يارب إني مظلوم فانتصر..
ذهب دمه وماله ولا تزال قضيته معلقة بين السماء والأرض، ودمه وماله هدر إلى اليوم.
عندما عاد محمد من السعودية مطالبا بإخلاء الفلتين كانت أسرته قد بدأت بتلك المطالبة بسنتين دون جدوى..
وحسب شهادات أسرة مهدي، أن جنديين أحدهما في قوات النجدة والثاني مرافق عبده حمود الصغير هما من باشرا القتل والجريمة وحولهما خمسة آخرون، تعرفنا على هوية الاثنين ولا نزال نتأكد.
لكن الأهم هنا هو الآمر بالجريمة والحامي، إنه المدرس الفاشل الذي أوقف عام 2006 من التدريس بسبب بيع كراسات الامتحان ثم حول إلى العمل كسكرتير لوكيل المحافظة الإصلاحي أنس النهاري، هذا الصغير هو الذي استولى على ممتلكات المغترب وهو الآمر بالتصفية، وهو ذاته صاحب الجريمة البشعة في حي المسبح، جريمة ناقلة النفط التي أحرقت الحي وذهب ضحيتها 150 ما بين قتيل وحريق، وهي جريمة منسية أيضا رغم أن سكان الحارة ظلوا يعلقون صور ضحاياهم، عاما كاملا، حتى منعوا من ذلك لاحقا، وهي جريمة قديمة في العام الأول للحرب ولم تحظ بتوثيق تفاصيلها.
هذا الصغير لا يزال يعمل أركان اللواء 17، ولم يتم سجنه حتى اليوم، بل إن القضية لم تأخذ الإكمال القانوني لها في القضاء وعبر القانون وإعادة وتعويض أسرة المغدور به.
ولعل تأكيد أسرة المجني عليه الشهيد قعشة أن مسلحين آخرين حضروا بعد الجريمة كانت مهمتهم منع إسعافه بما يؤكد دون أدنى شك أن الجريمة كانت مبيتة، وفي حين زعمت قيادة اللواء ببيان لها حول الحادثة، في مذكرة رفعت إلى الشرطة العسكرية أن محمد كان بيده "حديدة وخنجر وأنه تعارك مع المسلحين"، تؤكد أسرة محمد أنه لم يكن معه أي سلاح أو أداة حادة وأنه كان ضحية للمسلحين، وأن ذلك بسبب مطالباته لهم بإخلاء الفلتين وأنه ليس أبلها، حتى يخرج بخنجر أو حديدة ليعارك مجرمين في الليل، كما أنه لم يتم العثور على خنجر أو حديدة في المكان حتى اليوم.
ذهب دم محمد مهدي ولا تزال القضية معلقة.. إنها حكاية دم مستباح مثلها قصص كثيرة -معظمها لم ترو ولم تحك- لجرائم الإخوان الممتدة منذ زعيمهم الجلاد اليدومي إلى عبده الصغير الذي لا يزال في اللواء يسرق مستحقات الأفراد وتغذيتهم، إلى هذا اليوم من الشهر الحرام.. الذي لا يزالون يسفكون فيه الدم الحرام.
أتمنى أن يسهم هذا المقال ويشكل توثيقا للجريمة، ويحفز منظمات حقوق الإنسان والإعلام وكل المهتمين في توثيق مئات الجرائم المشابهة لجماعة إخوان تعز، والتي وثق بعضها على عجل وذهب أكثرها طي الإهمال...