قيل إن قاضياً أراد التوكيد من الولد المتهم بقتل والده، فأعاد الاعتراف أنه رماه برصاصة بندق.. تساءل القاضي: أين أف من دبوووم يا عاق والديك؟ والمقصود بدبوووم، الصوت الذي يخرج من البندق عند خروج الرصاصة، أما أف، فأراد بها اللفظة التي وردت في الآية القرآنية: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه، وبالوالدين إحساناً، إما يبلغن عندك الكبر، أحدهما أو كلاهما، فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما، وقل لهما قولا كريما)..
تقفز إلى ذهننا هذه الحكاية التي حكاها لنا وكيل نيابة قبل عشرين سنة تقريباً، كلما وقفنا عند فاجعة اجتماعية- جنائية، تتعلق بقتل ابن لأبيه، أو لكلا أبويه، كما في حالة محمد الحرازي الذي قتل أباه وأمه بعشر رصاصات بعد مغرب شمس يوم 18 يوليو.. ذكرت وسائل الإعلام أن محمدا هو مساعد المشرف الحوثي في مديرية حفاش، وأنه خطيب الجامع الكبير في مدينة حفاش، وارتكب الجريمة بعد عودته من دورة ثقافية نظمتها الجماعة الحوثية، وأن الذي دفعه للٌإقدام على هذا الفعل الشنيع هو أن أبويه كانا معارضين للجماعة.. وهذا عندنا سبب محتمل، ونعتقد أنه ليس السبب الحقيقي.
في أوقات الحرب، وأوقات الصراعات السياسية، والتنافس السياسي، تقوم وسائل الإعلام بدور المضلل الإعلامي لسبب مفهوم.. بالنسبة لنا تعنينا القيم.. ما أسباب تغير القيم الإيجابية المتأصلة في المجتمع اليمني؟ أبناء يقتلون آباءهم، ما هذا؟
هذا النوع من الجريمة لم يكن معهوداً في اليمن كثيراً قبل عشرين عاماً تقريباً.. وفي وقتنا هذا نكاد نسمع ونقرأ مرة أو مرتين في اليوم.. في مدينة(...) قتل شاب والده رميا بالرصاص.. عطاف طعن أباه بآلة حادة فمات في مديرية (...).. ولد من(...) قتل والده في مدينة (...) بثلاث رصاصات، أثناء تبادل النيران بين الاثنين.. وفي مدينة (...) طعن شاب أمه ثلاث طعنات وأرداها.. وبالمقابل هناك أب تخلص من أولاده وزوجته- بسبب رؤيتهم جوعى.. أب قتل بناته الثلاث غرقا في خزان مياه بسبب فقره... أم أحرقت بنيها بسبب خلاف عائلي.. ولكل جريمة تورد وسائل التشهير سببا: خلاف على أرض.. خلاف مالي.. مرض نفساني.. لأن أمه حرمته من المصروف اليومي.
لا نعتقد أن هذه هي الأسباب الحقيقية.. ما هي إذن هذه الأسباب؟ نزعم أن سبب الأسباب تبدل في القيم، تغير في القيم.. وهذا ما ينبغي البحث فيه.. ما أسباب تبدل القيم.. ما أسباب موت القيم المتأصلة.. من أين نكتسب القيم السلبية.. هل تغيرت القيم الأصيلة وجدت قيم جديدة بفعل عوامل سياسية، أم هي تربوية، أم سببها أمراض نفسانية كالاختلال العقلي أو الجنون، أم اقتصادية، أم اجتماعية، أم ثقافية، أم تقنية الاتصالات، أي تأثر بوقائع تحدث كل يوم في بلاد أخرى، ويتم مشاهدتها أو الاستماع إليها أو مطالعتها في وسائل الإعلام وشبكة الانترنت.